بقلم جهاد الخازن
نزار قباني لا يحتاج إلى تقديم مني. عدت في ساعة يأس إلى جزء من ديوانه بعنوان «الأعمال السياسية الكاملة» وقرأت حتى لم أعد أقدر على القراءة. وهكذا أشرك القارئ اليوم في بؤسي.
لنزار قباني قصيدة قديمة بعنوان «قصة راشيل شوارزنبرغ» نُشِرَت سنة 1955 ولا تخلو من عنصرية أو لا ساميّة أتجاوزها وأختار منها:
أكتب للصغار/ للعرب الصغار/ لهم على اختلاف اللون والأعمار والعيون/ أكتب للذين سوف يولدون.../ أكتب باختصار/ قصة إرهابية مجنّدة يدعونها راشيل/ قضت سني الحرب في زنزانة منفردة/ شيّدها الألمان في براغ/ وآلت الحرب إلى ختام/ وأعلِن السلام/ ووقع الكبار/ أربعة يلقبون نفسهم كبارْ/ صك وجود الأمم المتحدة/ وأبحرت من شرق أوروبا/ مع الصباح/ سفينة تلعنها الرياح/ وجهتها الجنوب.
يُكمل نزار قائلاً:
من آخر الأرض، من السعير/ جاؤوا إلى موطننا الصغير/ فلطخوا ترابنا/ وأعدموا نساءنا/ ويتّموا أطفالنا/ ولا تزل الأمم المتحدة/ ولا يزال ميثاقها الخطير/ يبحث في حرية الشعوب/ وحق تقرير المصير.
وتنتهي القصيدة بالقول:
فليذكر الصغار حيث يوجدون/ مَنْ ولِدوا منهم ومَنْ سيولدون/ ما قيمة التراب/ لأن في انتظارهم معركة التراب.
لم يَقْصر نزار قباني وطنيته على فلسطين وسورية ولبنان، وإنما شملت الجميع، وله قصيدة تعود إلى سنة 1957 عنوانها «جميلة بوحيرد» يقول فيها عن المناضلة الجزائرية البطلة:
الاسم جميلة بوحيرد/ رقم الزنزانة تسعونا/ في السجن الحربي بوهران/ والعمر اثنان وعشرونا/ عيناي كقنديلي معبد/ والشعر العربي الأسود/ كالصيف كشلال الأحزان/ إبريق للماء وسجّان/ ويد تنضم على القرآن/ وامرأة في ضوء الصبح/ تسترجع في مثل البوح/ آيات محزنة الإرنان/ من سورة مريم والفتح.
أعود إلى فلسطين وقصيدة «شعراء الأرض المحتلة» التي نشرها سنة 1968 ويقول فيها:
شعراء الأرض المحتلة/ يا مَنْ أوراق دفاتركم بالدمع مغمسة والطين/ يا مَن نبرات حناجركم/ تشبه حشرجة المشنوقين/ يا مَن ألوان محابركم/ تبدو كرقاب المذبوحين/ نتعلم منكم منذ سنين/ نحن الشعراء المهزومين/ نحن الغرباء عن التاريخ/ وعن أحزان المحزونين/ نتعلم منكم كيف الحرف يكون على شكل السكين.
في الجزء الأخير من هذه القصيدة يقول نزار:
محمود الدرويش سلاما/ توفيق الزيّاد سلاما/ يا فدوى طوقان سلاما/ يا مَن تبرون على الأضلاع الأقلاما/ نتعلم منكم/ كيف نفجر في الكلمات الألغاما.../ لو أن الشعراء لدينا يقفون أمام قصائدكم/ لبدوا أقزاماً، أقزاما.
ولا أنسى سورية فلنزار قباني «موال دمشقي» يقول فيه:
قلْ للذين بأرض الشام قد نزلوا/ قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا/ يا بلدة السبعة الأنهار يا بلدي/ ويا قميصاً بزهر الخوخ مشغولا/ يا من يعيد كراريسي ومدرستي/ والقمح واللوز والزرق المواويلا/ يا شام إن كنت أخفي ما أكابده/ فأجمل الحب حب، بعد ما قيلا.
ضاق المجال وأختتم بمطلع قصيدته «يا ست الدنيا يا بيروت» هو يقول:
يا ست الدنيا يا بيروت/ مَنْ باع أساورك المشغولة بالياقوت/ مَنْ صادر خاتمك السحري/ وقص ضفائرك الذهبية/ مَنْ ذبح الفرح النائم في عينيك الخضراوين.
أقول كلنا فعل.