جهاد الخازن
كانت حسناء ذات بهاء ورواء ثم هرمت وسمنت وترهّلت وتغضّنت، وبقيت تتدلع وتتصنع كأنها صبية فتية. ماذا نقول في مثلها اليوم؟ نقول انتهت الصلاحية، فهي مثل زجاجة لبن (زبادي) تجاوزت تاريخ الاستعمال.
الكلام هذا يفي بالغرض، غير أنهم قديماً لم يعرفوا «الصلاحية» أو «الكولسترول»، وإنما تركوا لنا شعراً جميلاً أو ظريفاً يعبِّر عما تعبر عنه لغة العصر.
قرأت أيام كنت طالب أدب:
لم تفتها شمس النهار بشيء / غير أن لا بقاء للإنسان
ومثله:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى / غير أن لا بقاء للإنسان
وأجمل مما سبق:
وإذا أتوك وقالوا إنها نصف / فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا
(المقصود بالنصف أنها في منتصف العمر).
وبالمعنى نفسه:
كثوب يماني تقادم عهده / ورقعته ما شئت في العين واليد
وحاول الشاعر أن يروّج لنفسه مع مَنْ يحب فقال:
يا عزّ هل لك في شيخ فتي أبداً / وقد يكون شباب غير فتيان
وكان غيره أكثر صراحة فقال:
إذا ما أعرضن الفتيات عني / فمَنْ لي أن تساعفني عجوز
كان مجامع اللحيين منها / إذا حسرن عن العرنين كوز
(يتحدث عن انتفاخ أسفل بطنها كآنية).
الفرزدق كان شيخ قومه، إلا أنه كان سفيهاً، وبعض شعره ظريف جداً، إلا أنه لا يصلح للنشر، وهو قال يوماً بعد أن أسنّ عن زوجته:
أنا شيخ ولي امرأة عجوز / تراودني على ما لا يجوز
أقول إن البقية لا تصلح للنشر.
ربما كان ابن الرومي أكثر فجوراً في هجائه من الفرزدق، فهو هجا أكثر مَنْ عاصرهم، وبعضهم كان مدحه قبل ذلك. وله في أبي حفص الوراق والمغنية شنطف ما يملأ ديوان شعر من حجم متوسط.
قال في شنطف:
خفّاضة الرأس ولكنها / لرجلها والردف رفّاعة
وقال أيضاً:
شنطف يا عوذة السماء والأرض وشمس النهار والقمر
إن كان إبليس خالق بشرا فأنت عندي ذلك البشر
صوّرك المارد اللعين فأعطته يداك مقابح الصور
(العوذة: الرَّقية).
ولعل ابن الرومي هجا هذه المغنية على كل حرف من حروف الهجاء، إلا أنني أكتفي أدباً بما سبق.
هو هجا مغنية أخرى اسمها كنيزة فقال:
شاهدت في بعض ما شاهدت مسمعة / كأن يومها يومان في يوم
لها غناء يثيب الله سامعه / ضعفي ثواب صلاة الليل والصوم
أقول إنه فاجر داعر يقضي ليله في المواخير ثم يشكو، ويدين نفسه مع مغنيات زمانه.
شيخ من الأعراب شكا مثله، إلا أنه لزم الأدب فقال:
عجوز ترجّي أن تكون فتية / وقد لجب الجنبان واحدودب الظهر
تدس إلى العطار سلعة بيتها / وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
وجاؤوا بها قبل المحاق بليلة / فكانت محاقاً كله ذلك الشهر
أظرف مما سبق وأصدق قول أحدهم:
وقالوا ما نكحت فقلت: خير / عجوزا من عرينة ذات مال
نكحت كبيرة وغنمت مالا / كذلك البيع مرتخص وغال
أبو نواس كان مثقفاً جداً رغم تهتكه وظريفاً، سُمْعَتُه تتحدث عنه فأختتم به:
الحمد لله اني / على حداثة سنّي
فقت المحبين طرا / ببعض ما شاع عني.
"الحياة"