جهاد الخازن
ربما كان الجبن خير صفة لا يزهو بها الرجل، خصوصاً إذا كان مثقفاً أو ثرياً أو مرموقاً في قومه، فهي تحميه من أن يرِد موارد التهلكة.
قبل أن يثور عليّ القارئ الشجاع أقول أنني لا أتحدث هنا عن جندي يقاتل دفاعاً عن وطنه، أو عن جبن رجال الجيش العراقي الموظفين بمرتب معلوم عند نوري المالكي، وإنما أتحدث عن الرجل العامل الناجح الذي يواجه مغريات كل يوم، وقد يقع «ومَحدِّش سمّى عليه».
الشاعر القديم قال: شجاع إذا ما أتتني فرصة/ وإن لم تكن لي فرصة فجبان. أقول أنه مخطئ، فالمهم أن تأتي الفرصة فيرفضها بشجاعة حتى لا يقع في الفخ.
أصدقائي مثلي أو أجبَن، ثم هناك قلة من خريجي الجامعات الناجحين في العمل إذا رأى الواحد منهم طرف تنورة وامرأة وضعت ساقاً على ساق في مقهى، حيث نقيم في لندن، يفقد عقله ولا يفكر في النتائج على المدى القريب أو البعيد. هذا جنون. وهناك مَثل شعبي لبناني يقول: مجنون طرطق له، يطير من حبال عقله. هو سمع طرطقة الكعب العالي وعاد مراهقاً. أفضل منه كثيراً الذي يتبع المَثل: ألف مرة جبان ولا مرة الله يرحمه.
بعض الرجال يعتقد أنه حصيف رصيف لأنه «مخلص»، حيث يقيم مع العائلة ولا «يلعب بديلو» إلا في بلد آخر. هذا يقلل الأخطار، ولكن لا يلغيها. وعندي صديق ثري جداً هاتفني يوماً وهو يرغي ويزبد حتى اعتقدت أن هناك مَنْ مات. وطلبت منه أن يهدِّئ أعصابه ويروي لي ما حدث. هو قال أنه أخذ صديقته فراراً من العين واللسان إلى طوكيو، ودخل الفندق معها مرتاح الضمير، فوجد في البهو اثنين من الأصدقاء المشتركين شهرتهما أنهما لا يحفظان سراً. هو شتم وقال: وين بدّي روح لأرتاح منكم؟ قلت: جهنم، وأنا أدرك أن كثيرين سيكونون هناك للترحيب به.
أنتقل إلى «البزنس» ففي فورة الاقتصاد الأميركي والعالمي في التسعينات بعد أن دخل بيل كلينتون البيت الأبيض، رأيت أصدقاء في بيروت وحتى في جنوب فرنسا يقضون وقتهم في البنوك (المصارف) ليتابعوا على شاشة سير البورصة وأسعار العملات، ويشترون ويبيعون ما يسمّى عقوداً، فيدفع الواحد منهم جزءاً من قيمة العقد ويجلس في انتظار أن ترتفع الأسهم ويكسب.
لا أفهم كيف أن رجلاً في بيروت ذات صيف يعتقد أنه يستطيع أن يهزم المتعاملين مع بورصة نيويورك في عقر دارهم. يفعل هذا والكسب مضمون إذا سار على شاطئ البحر ورأى الحسان في أقل قدر من الثياب.
أولاً، لا أعرف كيف جمع هذا الثري ماله وهو على قدر كبير من الغباء فلعله ورثه. ثانياً، إذا اختار أن يبدِّد ماله فالأفضل أن يكون ذلك على تعليم أولاده في أهم جامعات العالم ليمنحهم فرصة أفضل في الحياة. ثالثاً، عندي مشروع من نوع «سمك في البحر» الربح فيه ألف في المئة، فلعله يعطيني ماله لأستثمره له.
جورج بوش الابن جاء بعد بيل كلينتون وخاض حروباً ظالمة واستدان من الصين ليقتل المحافظون الجدد العرب والمسلمين في بلادهم. وكان أن نكب العالم بأزمة مالية رهيبة سنة 2008، بقيت آثارها معنا سنوات. هذه المرة على الأقل لم يخسر أصدقائي الميامين شيئاً لأنهم لم يكونوا يملكون ما يخسرونه، بعد أن ضاعت «تحويشة العمر» في العقد السابق.
الحلم سيد الأخلاق، وكذلك الجبن، وأرجو أن يلاحظ القارئ أنني أتحدث هنا عن الرجال كما أعرفهم، وأترك النساء لأن خبرتي فيهن لا تسمح لي بالترغيب أو الترهيب، وهن لن يقبلن نصحي وإنما يعتقدن أنني أريد شيئاً من دون أن يدرين حجم الجبن الطارف والتليد في أعماقي.
وهكذا أختتم بمَثل يدعم رأيي في الجبن. هل كانت الأمة تعاني من أسوأ أزمة في تاريخها الحديث لو كان صدّام حسين جباناً؟ هو اعتدى على بلد عربي جار مسالم، وواجه 800 ألف جندي أجنبي بقيادة الولايات المتحدة. كيف تصور أنه في بلد من العالم الثالث سيربح الحرب؟ قلت للأخ فايز بدر، وزير الموانئ السعودية في حينه رحمه الله، أن صدّام حسين مجنون. قال: هو أقل من مجنون، فالمجنون إذا رفعت عليه عصا يعرف أنها تؤلم ويضع يده فوق رأسه حماية. صدّام حسين رأى العصا ولم يخَفْ ودفع كل عربي ومسلم الثمن حتى اليوم.