بقلم جهاد الخازن
تحتفل الملكة إليزابيث غداً، بعيد ميلادها التسعين. هي في الحكم منذ سنة 1952، وبذلك تكون سنوات ملكها زادت عن سنوات جدة جدتها الملكة فكتوريا، التي حملت الرقم القياسي لملوك بريطانيا وملكاتها حتى السنة الماضية.
الميديا البريطانية أجمعت على أن الملكة سيدة عظيمة، وهو إجماع نادر لأنني وقد أقمتُ أكثر العمر في لندن، لا أذكر أن صحافة بريطانيا تُجمِع على شيء، فهي تمثل أقصى اليسار الى أقصى اليمين وكل ما بينهما. رأيي في الملكة من رأي الصحافة المحلية، وقد لاحظتُ أن تاريخ الملكة كله خلا من أي فضائح من أي نوع، وهو أمر نادر في الملكيات الأوروبية.
لن آخذ القارئ اليوم في درس عن تاريخ الملكة إليزابيث أو بريطانيا التي كانت عظمى، وإنما أحكي له ما أعرف عنها.
زرتُ قصر بكنغهام مرتين، مع الملك خالد والملك فهد، رحمهما الله. وقدمني الأمير سعود الفيصل الى الملك خالد في حفلة استقبال في فندق دورشستر. وقال الملك: معروف، وهي عبارة سعودية مستعملة. قلت له: معروف بماذا؟ وابتسم الملك وقال: بالخير.
جلستُ في مكتب الشيخ ناصر قبل انتقال السفارة السعودية الى موقع آخر، وقرأت خطاب الملك فهد الذي أعده، إن لم تخني الذاكرة، الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية في حينه رحمه الله.
لا أذكر من المناسبتين سوى أنني صافحتُ الملكة، غير أن معرفتي زادت بعد تحرير الكويت، فقد زار الشيخ جابر الأحمد الصباح لندن، وأقامت له الملكة مأدبة عشاء في فندق «كلاريدجز» كنت مدعواً إليها. بعد العشاء، تناولنا القهوة ونحن نقف مع الملكة في صالة مجاورة. قلت لها إنني وزوجتي مواطنان جديدان في بريطانيا، ما يعني أننا أكثر ولاء لها من المواطنين القدماء. ابتسمت وقالت إنها سمعت مثل هذا الكلام من قبل. وسألتني عن عملي وإن كانت زوجتي تعمل أيضاً.
أفضل جلسة مع الملكة كانت بعد فوز الحصان «جينروس» الذي كان يملكه الأمير فهد بن سلمان، رحمه الله، بجائزة الداربي سنة 1991. كنت مع الأمير فهد وصافحنا الملكة التي هنأته بالفوز. وهي في السنة التالية ضمّته إليها وزوجها الأمير فيليب، في العربة الملكية عند دخول السباق.
بعد ذلك الفوز بأسابيع، زارت الملكة دارة الأمير فهد قرب اسكوت، وزرعت شجرة، وجلست طويلاً وحدثتنا جميعاً. أذكر أن الأمير فهد قال لها إنه لاحظ وهي راكبة على حصانها وذاهبة لافتتاح البرلمان، أنها ركبت على الحصان من جانب واحد. هي أمسكت بطنها بيدها وقالت: ماذا أفعل بهذا؟ مشيرة الى أنها سمنت مع أنها ليست سمينة أبداً. ضحكنا جميعاً، وودعناها مع الأمير فهد وقرينته الفاضلة الأميرة نوف بنت خالد العبدالله. (الأمير أحمد بن سلمان، رحمه الله، فاز حصانه «أوث» بالداربي سنة 1999، وكنت مسافراً).
إذا كان لي أن أصف الملكة إليزابيث بكلمة واحدة، فهي أنها «مجتهدة» لم يفسدها المُلك. هي قد تقوم بثلاث مهمات أو أكثر في يوم واحد، من استقبال رئيس دولة الى دخول منجم فحم. أرجو لها الصحة وطول العمر.