يقول المَثل: الناس أجناس. وقد وجدت أن بعضهم مرهف الإحساس وبعضهم بلا إحساس. أو هم بين تقي وشقي، أو واحد ابن أصل، وآخر بلا أصل أو فصل.
ما سبق جعلني أجلس وأستعيد ذكرى زميل عملت معه في وكالة «رويترز» في بيروت وأنا طالب جامعي، فقد كان يقول لي محذراً: الناس أنجاس وليسوا مجرد أجناس. لا أعرف التجربة التي خاضها لينتهي بهذا الرأي، إلا أنني أذكر أنه كان عالي الثقافة، وليس من نوع يلقي الكلام على عواهنه.
في الأيام الأخيرة، حاولت أن أبتعد عن السياسة وقرأت عطفاً على ما سبق: الرجال نوعان، واحد يكذب على زوجته، وواحد يكذب على خطيبته.
أبو العلاء المعري رأى نوعين آخرين وهو يقول: فواعجبا كم يدّعي الفضلَ ناقص/ وواأسفا كم يظهر النقصَ فاضل.
وهو في قصيدة أخرى رأى ما لا أتفق معه فيه: اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين/ وآخر ديّنٌ لا عقل له. أقول إن هناك ناساً كثيرين متدينون وأذكياء.
غيره قال: العبد حرٌ ما قنع/ والحر عبدٌ ما طمع. هذا معقول وامرؤ القيس وجد الناس أنواعاً لا نوعين وقال: عصافير وذبانٌ ودودٌ/ وأجرأ من مجلِّـحة الذئاب.
يكفي شعراً فأعود إلى النوعين، وقد وجدت أن الوزير يكذب في بلده والسفير يكذب في بلاد الآخرين.
الرجال نوعان: الذي يضغط على الفرامل عندما يتحول الضوء الأخضر إلى أصفر، والذي يضاعف السرعة.
أو هم الذي يقرأ والذي يدّعي القراءة. وجنس ثالث يقرأ ليفاخر بقراءته.
ونوعان آخران، الذي يعمل فلوس والذي ينفقها (لا وقت لعمل الاثنين).
هناك أيضاً الذي يقرِض والذي يستدين.
ثم هناك النوع الذي يفتح باب السيارة لسيدة، والذي يغلق الباب على رجلها.
ونوعان آخران من الرجال، الذي يطفئ الضوء عندما يغادر الغرفة، والذي لا يطفئه.
ثم هناك الذين فازوا بجائزة نوبل للسلام، والذين كانوا يستحقون الفوز بها.
ونوعان آخران هما: الناجح، والذي يعتقد أن سوء الحظ منعه من النجاح.
وهناك نظريتان للجدل مع النساء: واحدة خاطئة والأخرى غير صحيحة.
النساء نوعان، التي تمارس «الرجيم» لتخسر من وزنها، والتي تزعم أنها تمارس «الرجيم».
والسائقات نوعان، واحدة لا تعرف أن «تركن» سيارتها في شارع خالٍ من السيارات، وأخرى تطلع بسيارتها على الرصيف.
ونوعان آخران: الحسناء، والتي لا تملك مرآة في بيتها.
وهن من زاوية أخرى، التي تفهم أكثر من زوجها، والتي تفهم أكثر من رجال الحي جميعاً.
ثم هناك الصعبة الممتنعة والتي لا تحب أن تُتهم بأنها متعجرفة.
أخيراً، نحن نواجه أحداثاً مصيرية، ولن أدخل في تفاصيل يعرفها القارئ، ويعاني منها يوماً بعد يوم، فأقول إن العرب واحد يريد وقفة عز وآخر يقنع بطبخة رز.