جهاد الخازن
كنت في زمن مضى، أستعين بالأصدقاء لأجد غرفة لي في فنادق بيروت. اليوم، أستطيع أن أشغل جناحاً في فندقي المفضّل من دون وساطة. السياح العرب لم يعودوا يتوافدون على لبنان في الصيف و «الحق على الطليان».
أقيم في لندن وأزور جنوب فرنسا مع العائلة في الصيف، والسياح العرب لا يريدون أن أشعر بالغربة أو الوحدة أو الوحشة، لذلك هم يملأون شوارع وسط لندن، ومدن الريفييرا الفرنسية.
في لبنان، التاجر اللبناني يقول للضيف العربي «تِكرَم عينك»، والله يرحم الأخ جاسم الخرافي وحديثي معه عن أيام الشباب في بحمدون. في لندن، يستقبل السائح العربي بائعون وبائعات في منتهى التهذيب، إلا أنهم لا يخرجون عن النصّ، أي تعليمات البيع.
ثم هناك فرنسا، وأريد قبل أن أكمل، أن أسجّل أن بائعة فرنسية قررت أن تصلح سترة اشتريتها على اسم «خازن» آخر يحمل بطاقة عضوية وتصلَّح له الثياب مجاناً.
ما سبق لا ينفي أن الفرنسي يخرج من بيته وهو يبحث عن إنسان «يخانقه». وكنت دخلت في مشكلات ثم قررت ألا أُستَفَز إطلاقاً في جنوب فرنسا، وهذا بدوره نوع من الاستفزاز، لأن المواطن الفرنسي الحقيقي يستثيرني لنختلف، فإذا لم أفعل يزداد غضبه على هذا السائح السميك الجلد أو الجبان.
عندي سبب أهم للشكوى، فطريق البحر بين نيس وموناكو، وهي الطريق الرئيسية لأهل البلد والسياح، بمسار واحد في كل اتجاه. هذا يعني أن القارئ الميسور الذي يقود فيراري أو لامبورغيني أو رولز رويس يسير في موكب من السيارات بسرعة أبطأ سيارة في المقدمة. بعضهم يتجاوز إلا أن في ذلك مخالفة، لأن خطاً أبيض متصلاً يفصل المسارَيْن أحدهما عن الآخر. والسيارات الخاصة توقَف على الرصيف، وأحياناً على ممرات المشاة.
الصورة لا تكتمل من دون باصات الركاب، وكل المواقف بين نيس وموناكو في وسط الطريق، ما يعني أن يتوقف صاحب الفيراري وراء الباص بضع عشرة مرة. هل يصدق القارئ أن في بلدة كاب داي التي كان يصطاف فيها ونستون تشرتشل وصديقي وليد، هناك موقف للباص أمام مستديرة صغيرة، ليوقف الباص المرور في مساره ويحرم سيارة من المسار الآخر أن تلتفّ حول المستديرة؟
ولا أنسى المطبات، وقد أحصيت حوالى 20 منها على الطريق بين نيس وموناكو التي لا يتجاوز طولها 20 كيلومتراً. السيارة لا تصل الى المكان المقصود إلا وقد فقدت شيئاً من عمرها، والسائق يصل وقد قلبت أمعاؤه.
إذا لم يكن في الطعام الفرنسي «الطّعِم» ما يعوّض، فهناك سان تروبيه حيث بعض أجمل نساء الأرض. وللعربي السائح هناك الحورية هيفاء التي غنّت في «صالة النجوم» في موناكو وأطربت أجيالاً من الحاضرين، فقد تراوح المشاهدون بين الذين تجاوزوا الشيخوخة، الى صغار دون العاشرة.
أقمت في لندن أكثر مما أقمت في بيروت، وأعتقد أن عندي من الخبرة ما يسمح لي بأن أقول للقارئ العربي إن فرنسا أرخص من بريطانيا، وإن إيطاليا أرخص من الاثنتين. وعادة ما يزور العرب من السياح في جنوب فرنسا مدينة سان ريمو الإيطالية المجاورة، ففيها كل ما يشتهي الإنسان القادر.
هذا الإنسان لا يحتاج الى نصح مني لأنه «قادر»، وأفضل قدرة هي المالية. اللورد ولسون قال في مقابلة مع مجلة نسائية سنة 1961: إذا كنت تشبه صورتك على جواز السفر، فأنت تستحق أخذ إجازة. المشكلة أن الصورة على جواز السفر عادة ما تكون أجمل من حاملها لأنها أخِذت للأستاذ أيام المراهقة، وهو ينكر ما فعلت به السنوات اللاحقة. في جميع الأحوال، يظلّ الجمال أهم للمرأة، وقرأت أن كل وارثة جميلة. المرأة تدرك أهمية الجمال لذلك تفضّله على الذكاء، فهي تعرف أن الرجل يرى أفضل مما يفكر.
أنتظر يوماً يرشد فيه اللبنانيون، ويعود لبنان الذي أحبَّه العرب جميعاً. في غضون ذلك، أرى السياح العرب في كل بلد ما عدا لبنان، وأتمنى لكل منهم إجازة سعيدة. إذا لم تكن الإجازة سعيدة، فالإنسان يسعد بالعودة الى بلده، حيث لا مطبات في الشوارع، وإنما في كل مكان آخر.