كنتُ أعتقد أنني أعرف كل شيء عن الصديق العزيز والصحافي اللامع مصطفى أمين، رحمه الله، ثم تلقيتُ من ابنته الأخت صفية كتاباً عنه يحمل اسمه، من تأليف الأستاذ أحمد عطية صالح، ووجدتُ أنني عرفت شيئاً وغابت عني أشياء.
كنتُ أعرف أن التوأمين علي ومصطفى أمين تربطهما علاقة بالزعيم سعد زغلول، إلا أن الكتاب أفهمني أن سعداً كان خال والدتهما رتيبة، وولادتهما كانت في بيته، بيت الأمة، وأن مصطفى أمين سمّى ابنتيه رتيبة على اسم أمه، وصفيّة على اسم صفيّة زغلول، أم المصريين التي لم تُنجب أولاداً.
علي ومصطفى أمين مارسا الصحافة قبل دخول سن المراهقة، وأصدرا بالقلم الرصاص مجلة مدرسية ثم أخرى، ومصطفى عمل في «روز اليوسف» وأيضاً «آخر ساعة» وهو مراهق، وكان أول سبق صحافي كبير له مقابلة في برلين مع رئيس الوزراء مصطفى النحاس عن معاهدة 1936 مع إنكلترا.
الكتاب أيضاً علّمني أن مصطفى أمين درس في جامعة جورجتاون في الأربعينات من القرن الماضي، جامعتي في الثمانينات، وحصل على ماجستير في العلوم السياسية. أما علي أمين فدرس الهندسة في إنكلترا.
«أخبار اليوم» صدرت كجريدة أسبوعية في 11/12/1944 وتحولت بسرعة إلى جريدة يومية وأكثر الصحف المصرية مبيعاً. وكانت للأخوين علاقة صداقة وعمل مع محمد التابعي الذي ربما ننصفه بوصفه أنه كان أبا الصحافة المصرية الحديثة.
الصحافة المصرية أيدت ثورة 1952، إلا أن حكومة الثورة فرضت عليها فوراً رقابة عسكرية، وعندما صدر قانون تنظيم الأحزاب السياسية مُنعت أحزاب كثيرة وأُوقفت صحفها عن الصدور، ما قد نعتبره مجزرة صحافية. وفي سنة 1960 صدر قانون إعادة تنظيم الصحافة، أي تأميمها، وعُيِّن مصطفى أمين رئيساً لمجلس إدارة دار «أخبار اليوم»، وعلي أمين رئيساً لمجلس إدارة «دار الهلال».
مصطفى أمين كان صلة الرئيس جمال عبدالناصر مع الأميركيين، وعندما بدأ الحكم المصري يميل إلى الاتحاد السوفياتي ويختلف مع واشنطن، حاول مصطفى أمين إصلاح الوضع، إلا أن عبدالناصر قرر المواجهة، وأوقفت الولايات المتحدة مساعدات القمح وغيرها واعتُقل مصطفى أمين في 21/7/1965 وكان في الإسكندرية، بتهمة التجسس للأميركيين لأنه كان يحدّث ديبلوماسياً أميركياً هو بروس تايلور.
ما كنتُ بحاجة إلى أن أقرأ كتاباً لأعرف أن مصطفى أمين بريء، فقد عرفته منذ سنة 1977، وحتى قبيل وفاته، وكان مثال المهنية والوطنية والأخلاق. كان مثلاً يُحتذى وليس جاسوساً.
انتزعت المخابرات اعترافات من مصطفى أمين بعد تعذيبه بشكل لا أعرف كيف خرج منه حياً. هو ضُرب وصُلب وانتُزع شعره وأُطلِقت عليه الكلاب. وفي النهاية دين بالتجسس وحُكم عليه في 1966 بالسجن المؤبد أو 25 عاماً.
الرئيس السادات أمر بالإفراج عنه سنة 1974 ليعود رئيساً لتحرير «أخبار اليوم»، وأُعيدت محاكمته بناء على إصراره في السنة نفسها، وحُكم على صلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات العامة السابق، بالسجن عشر سنوات بعد إدانته بتعذيب مصطفى أمين.
اختار قول المدعي العام الاشتراكي مصطفى أبو زيد لمؤلف الكتاب أنه مقتنع تماماً ببراءة مصطفى أمين الذي قال عنه «هو أنزه وأشرف صحافي التقيتُ به». أكتفي بالقول إن مصطفى أمين اختلف مع أنور السادات بسرعة دفاعاً عن حرية الصحافة.
مصطفى أمين كتب «فكرة» في «الشرق الأوسط» وأنا أرأس تحريرها، وبقينا على اتصال حتى قبيل وفاته سنة 1997، بعدما كان علي أمين سبقه إلى الدار الآخرة سنة 1976.
الآن بقيت لي من أسرة التوأمين العظيمين صفيّة مصطفى أمين، وهي إعلامية مصرية بارزة، مؤلف الكتاب الأستاذ أحمد عطيّة صالح يشكرها في البداية على ما قدّمت من وثائق وصور. هي صديقة عزيزة وبنت أبيها مهنيةً وأخلاقاً.