بقلم د. وحيد عبدالمجيد
ستكفر «نوارة» بثورة 25 يناير، أو ستزداد نقمتها عليها إذا كانت قد كفرت بها، عندما تعلم أن كل ما ستستعيده مصر من رجل الأعمال الأسطورى حسين سالم مقابل التصالح معه هو 5.6 مليار جنيه، أى حوالى 650 مليون دولار لا غير. تمخض جبل المفاوضات الطويلة معه فولد «فأرا», وهو الذى فُتحت أمامه أبواب أهم مصادر الثروة على مصراعيها فى أراضى شرم الشيخ وتصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل، وتسلح بنفوذ السلطة و«سيف» رأسها شخصياً، وصار قادراً على أن يملأ خزائنه. «نوارة» هى بطلة فيلم المخرجة هالة خليل الجديد الذى يقدم رسالة ملتبسة بشأن ثورة 25 يناير. ولكن ما لا يُختلف على فهمه، ولا يُختلف عليه أيضاً، فى هذه الرسالة أن الفقراء لم يشاركوا فى الثورة التى كانت الطبقة الوسطى هى عمادها0 ولكن كثيرا منهم علقوا آمالاً عليها عندما أُعلن تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك, لأنهم تطلعوا للحصول على نصيب لكل منهم فى الأموال التى نهبها أركان نظامه. و«نوارة»، التى تؤدى الفنانة منة شلبى دورها، واحدة من هؤلاء الذين حلموا باستعادة الأموال المهربة، وانضم بعضهم لهذا السبب الى الاحتفالات التى عمت شوارع مصر خلال الساعات التالية لإعلان تنحى مبارك. فالفقراء والمهمشون لا يشاركون فى عمل عام لأن الآثار المدمرة للفقر المدقع أبعد بكثير من العوز والحاجة وحتى الجوع. فالفقر يخلق شعوراً بالانكسار، وإحساساً بالانتهاك، ويؤدى إلى تقوقع على النفس. ويقترن ذلك بشعور بالضياع وعدم الأمان، وميل إلى التشكك فى الآخر، أو التوجس منه، وإحساس مستمر بالخوف من كل ما يحيط به. ومن الطبيعى أن يؤدى هذا كله إلى عزوف عن المشاركة. ويزداد هذا العزوف فى ظل انغماس الفقير فى السعى إلى جمع قوت يومه ومن يعولهم، حيث يصبح الاهتمام بما يتجاوز ذلك اترفاً« أو ارفاهية» لا يملكها.ولذلك تعيش الفئات الدنيا فى دوائر مغلقة، خاصة كلما ضاقت فرص الحراك الاجتماعى بشكل طبيعى. وهناك استثناءات بالطبع على هذه القاعدة العامة، مثلها مثل أية قاعدة فى العلوم الاجتماعية. ولكن ثورة 25 يناير لم تشهد هذا الاستثناء. ولذلك صار قطاع واسع من الفئات الدنيا هو الأكثر نقمة عليها، والأشد استجابة للخطاب المعادى لها، عندما مضت الأيام دون أن يتحسن شىء فى حياتهم، بل أخذت أوضاعهم تزداد سوءاً.