توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام!

  مصر اليوم -

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام

وحيد عبد المجيد

ليس جديداً خطاب الكراهية فى الإعلام. فقد عرفه العالم منذ ظهور الإعلام المطبوع ولكن أخطاره أخذت فى الازدياد من خلال الإعلام المسموع والمرئى الأكثر انتشاراً وتأثيراً. وكانت بداية هذا الخطاب فى مصر حين احتكرت السلطة الوطنية واعتبرت الخلاف معها خروجاً على الصف وألصقت بالمختلفين الاتهامات المعتادة التى تبدأ بإلحاق الضرر بالوطن ولا تنتهى بخيانته.
ولكن خطاب الكراهية تركز بعد ذلك فى قطاع واسع من الإعلام «الدينى» مع انتقال البث التليفزيونى الأكثر انتشاراً من الأرض إلى الفضاء. وأصبح النمط السائد فى هذا الخطاب يقوم فى العقد الماضى على احتكار الدين والاتجار به. وصار التكفير أوسع نطاقاً من التخوين. وبثت قناة «بى. بى. سى عربى» قبل أيام تقريراً اعتمد على تحقيق استقصائى عميق عن القنوات الدينية التى تبث سمومها فى عدد من الدول العربية، ومنها مصر.
غير أن نمطاً جديداً من خطاب الكراهية الذى يدعى احتكار الوطنية أعيد إنتاجه مؤخرا فى بعض وسائل الإعلام المرئى الخاصة، بعد أن كان هذا النوع من الخطاب مقترناً بالإعلام الرسمى الذى صار أكثر توازناً الآن. وليس هذا هو الاختلاف الوحيد، لأن خطاب الكراهية الراهن يدعى وطنية خاصة جدا على مقاس مصالح نظام أسقط الشعب رأسه ومازال مصرا على الاستمرار، بينما كان للخطاب الذى احتكر الوطنية من قبل ظل منها.
وكان ظهور هذا النمط الجديد من خطاب الكراهية أحد أهم جوانب رد الفعل الحاد على صدمة حكم «الإخوان» وإرهابهم الذى أعقب إسقاط هذا الحكم.
فهو خطاب رد فعل فى المقام الأول. ولكنه ينطوى فى جانب منه على فعل يهدد المسار الديمقراطى الذى يمقته أصحابه من خلال صنع حالة غوغائية تتغذى على هشاشة الثقافة الديمقراطية فكلما ضعفت هذه الثقافة صار سهلا التخلى عن الحرية وحقوق الإنسان تحت وطأة تهديد العنف والإرهاب، بحيث يصير الأمن مقدماً على ما عداه.
وكثيرة هى أخطار خطاب الكراهية الذى يمثل نسقاً مغلقاً يدور حول فكرة واحدة بسيطة هى أن هناك عدواً (أو أعداء) ينبغى أن نحاربه، وأن هذه الحرب لا تصح إلا بطريقة واحدة يعتبر هذا الخطاب محورها الرئيسى. ولا مجال، بالتالى، للتفكير فى أى طرق أخرى لمواجهة هذا العدو، أو لمراجعة الطريقة المتضمنة فى خطاب الكراهية الذى يُعاد إنتاجه دون ملل كل يوم وكل ساعة.
وعندما يستمر هذا الخطاب لفترة طويلة ينعكس نسقه المغلق على المجال العام ويتوسع الميل إلى رفض كل ما هو مختلف، وتتقلص يوما بعد يوم القواعد التى تنظم الاختلاف بين الناس الذين هم أصلاً مختلفون بطبيعتهم، ويزداد خطر انتشار ذهنية القطيع التى تعد جماعة «الإخوان» مثلا واضحا عليها.
كما أن خطر انتشار خطاب الكراهية الإعلامى يمتد إلى المصالح الوطنية والأمن القومى حين يدفع باتجاه اتخاذ مواقف عدائية غير مبررة تجاه دول وشعوب أخرى، مما يؤدى إلى توسيع دائرة الأعداء فى العالم بدلاً من تقليصها.
ويمكن أن يصل خطر هذا الخطاب الذى يكرَّس الكراهية إلى حد تهديد الدولة التى يفترض أنه يدافع عنها ويسعى إلى حمايتها، لما يترتب عليه من تعميق الانقسام داخل المجتمع.
ويمتد خطر هذا الخطاب إلى الإعلام نفسه.
فرغم أن هذا الإعلام يجنى على الدولة والمجتمع، فهو يعتبر ضحية أيضاً حيث يتراجع أداؤه ويضعف مستوى العاملين فى وسائله التى تنغمس فى خطاب الكراهية لوقت طويل.
ورغم كل هذه الأخطار، لا حاجة إلى منظومة ردع قانونية يطالب بها البعض، ولا جدوى منها فى الوقت نفسه. فخطاب الكراهية هو مزيج من السب والقذف والتشهير. وهذه، وغيرها مما يدخل فى نطاقها، كلها جرائم مؤثمة فى النظام القانونى ولكنها لا تكتسب القدرة على الردع إلا فى ظل دولة قانون تكون القاعدة القانونية فيها عامة ومجردة تُطبق على الجميع بدون تمييز، وهو ما يتطلب وجود نظام قضائى مستقل تمام الاستقلال.
ولذلك، فالأكثر جدوى هو الشروع فى وضع مدونة للسلوك أو ميثاق للشرف استعداداً لإنشاء المجلس الأعلى للإعلام الذى نص عليه الدستور الجديد ليبدأ عمله بعد الانتخابات البرلمانية. فقد أناط الدستور بهذا المجلس تنظيم شؤون الإعلام، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزامه بأصول المهنة وأخلاقياتها. وهذه مهمة عاجلة للجماعة الإعلامية نفسها تتطلب قيام نقابة الصحفيين بمسؤوليتها فى اتخاذ المبادرة اللازمة لإنجازها باعتبارها النقابة الوحيدة حتى الآن فى مجال الإعلام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام أخطار بالجملة لخطاب الكراهية فى الإعلام



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon