توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزمة سياستنا الخارجية: نحو رؤية متكاملة

  مصر اليوم -

أزمة سياستنا الخارجية نحو رؤية متكاملة

د. وحيد عبدالمجيد

كشف التدهور السريع للأوضاع في العراق وفلسطين بعض مواطن الضعف التي تنطوى عليها أزمة السياسة الخارجية المصرية بسبب تراكم عوامل التجريف التي تعرضت لها البلاد على كل صعيد لأكثر من ثلاثة عقود. فالمشكلة ليست في نوع الموقف الذي اتخذته مصر تجاه العدوان الإسرائيلى الجديد على قطاع غزة ومدى ضعفه أو قوته في حد ذاته، ولا في مدى سلامة تقدير الأوضاع الملتهبة في العراق فقط، بل في حاجته إلى رؤية جديدة متكاملة لسياستنا الخارجية في مجملها.

فقد تبنى النظام الأسبق سياسة أدت إلى انكفاء تدريجى ترتب عليه فقدان دور مصر الإقليمى العربى والأفريقى ورهنها لعلاقة تقوم على نوع من التبعية الجزئية حيناً والشاملة حيناً آخر للولايات المتحدة. ولم تكن هناك فرصة في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير لمراجعة هذه السياسة، بل تفاقمت أزمتها أكثر في ظل سلطة «الإخوان» ثم نتيجة التداعيات الإقليمية والدولية التي ترتبت على إزاحة هذه السلطة. ولذلك آن الأوان لوضع رؤية تحدد طبيعة المصالح المصرية الاستراتيجية والتكتيكية ومصادر التهديد في كل من المدى القصير والمتوسط والأمد البعيد، وتصنيف هذه المصادر وفقاً لأولوياتها من ناحية وسبل وسائل التعامل معها. وكلما كانت هذه الرؤية متكاملة، صارت أهداف السياسة الخارجية ووسائلها واضحة وأصبح التعامل مع المشاكل والأزمات والنزاعات الإقليمية، وكذلك الدولية، أكثر سهولة أو أقل صعوبة. وعندئذ تتجاوز سياستنا الخارجية الأزمة الناتجة عن تراكمات عدة عقود حكم فيها مصر من لا يعرفون قدرها. وليس ممكنا عزل عملية بناء رؤية متكاملة للسياسة الخارجية في لحظة تتسم بسيولة شديدة في التفاعلات الإقليمية، فضلاً عن اضطراب في قمة النظام العالمى، عن التطورات المحيطة وخاصة حين تكون استثنائية في معدل سرعتها ومستوى كثافتها. ولذلك لابد أن تبدأ هذه العملية بالإجابة على عدد كبير من الأسئلة نكتفى هنا بأكثرها جوهرية.

فثمة سؤال أول حاكم هو: هل نكتفى بترميم التصدعات التي أصابت سياستنا الخارجية في العقود الأخيرة وتقليص الخسائر التي ترتبت عليها هنا أو هناك، أم نطمح إلى بناء سياسة جديدة لا تهدف إلى استعادة قيادة إقليمية كانت لنا في عصر مضى بمقدار ما تسعى إلى قيام مصر بدورها الطبيعى الرائد الذي يليق بأول دولة في الشرق الأوسط عرفت طريقها إلى العصر الحديث قبل أن تتعثر خطواتها فيه. ويرتبط بذلك السؤال عن كيفية تحديد مصادر التهديد الرئيسية بمنهجية التقييم والفرز على نحو يحقق الانسجام في سياسة دولة رائدة بين مصالحها الوطنية ومصالح الدول والشعوب التي تحرص هذه الدولة على تدعيم العلاقات معها. ويثير هذا السؤال العام المحورى أسئلة عدة نكتفى منها الآن بأهمها لأنه يتعلق بسياسة مصر الخارجية تجاه أزمتى العراق وسوريا وامتداداتهما، وبعدد من المشاكل المرتبطة بهما، وهو عن التهديد الإيرانى للمصالح المصرية، والعربية عموماً، وتقييم مستوى هذا التهديد بعد أن تنامى خطر الإرهاب في مصر مجدداً وصار مصدراً للتهديد.

وقد أصبح هذا السؤال المتعلق بالتهديدين الإيرانى والإرهابى أكثر وضوحاً بعد التطورات الأخيرة في العراق، الأمر الذي يتطلب إعادة صوغه كالتالى: هل ستتصرف سياستنا الخارجية على أساس أن الخطر يتجسد فقط في تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أعلن «الخلافة» الوهمية ونغفل ما يمثله خطر ابتلاع إيران هذا البلد من تهديد، وهل يمكن الفصل بين التهديدين أو عزل مجمل الأخطار التي تهدد العراق الآن بما فيها سيناريو استقلال كردستان المبالغ فيه عن تداعيات السياسة المذهبية المتطرفة التي انتهجها نظام نورى المالكى التابع لطهران؟ وهل كان ممكناً أن يتنامى نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي سبق للقوى الوطنية والعشائرية في مناطق شمال وغرب العراق أن هزمته في صيغته السابقة وطردته من معظم هذه المناطق، أو أن تتدهور الأوضاع إلى الحد الذي يجعل دخول «البشمركة» الكردية كركوك ضرورة لمنع كارثة أكبر، لو كانت في العراق حكومة وطنية غير مذهبية أو طائفية ولا تابعة لإيران؟ وهل تدرك السياسة الخارجية المصرية أوجه الشبه بين محمد مرسى ونورى المالكى من حيث أن لكل منهما مرشداً عاماً أو أعلى وأهلاً وعشيرة (تنظيميين أو مذهبيين)؟

ويقودنا ذلك إلى السؤال المحورى الثالث، وهو: ألا تحتاج سياستنا الخارجية إلى التمييز بين تهديد تكتيكى وآخر استراتيجى، وبالتالى إدراك أهمية وضع حد لتأثير الوضع الداخلى وخاصة المعركة ضد «الإخوان» والإرهاب على هذه السياسة؟ وإذا كان السؤال الثانى يوضح مدى أهمية بلورة رؤية متكاملة لسياستنا الخارجية، فالسؤال الثالث يؤكد الأهمية القصوى للتعجيل بذلك لأن بناء سياسة خارجية تليق بمصر لا يتحمل انتظاراً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة سياستنا الخارجية نحو رؤية متكاملة أزمة سياستنا الخارجية نحو رؤية متكاملة



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon