د. وحيد عبدالمجيد
عندما نبهتُ فى هذه الزاوية أكثر من مرة، وكذلك فعل غيرى، إلى أن الطريقة المتبعة فى مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، المعروف إعلامياً بـ «داعش» لن تنجح، بل قد تؤدى إلى ظهور تنظيمات أكثر تطرفاً منه، لم يكن متوقعاً أن يظهر ما يدل على ذلك بشكل فورى.
فقد بدأت الخلافات تدب فى أوساط «داعش» بسرعة لم تكن متوقعة، وأهم ما فى هذه الخلافات أن بعضها يعود إلى ظهور اتجاه أكثر تطرفاً مما تتبناه قيادة التنظيم الذى بدا أنه يمثل أقصى تطرف التطرف فى أوساط ما يسمى السلفية الجهادية.
ولولا إعلان تنظيم «داعش» بصفة رسمية عن تصفية بعض المعبرين عن هذا الاتجاه الجديد، لظلت أية رواية بشأنهم قابلة للشك، ولكن بث شريط مصور صادر عما يسمى «ولاية الرقة» عن قصة هؤلاء الذين وُصفوا بأنهم (خططوا للخروج على دولة الخلافة بالسلاح وزعزعة الأمن داخلها تمهيداً لضربها من جانب الصليبيين والجيش الحر والنظام النصيرى) قطع الشك باليقين.
غير أن الأكثر إثارة للانتباه هنا هو وصف هذه المجموعة المتهمة بالانقلاب على «دولة الخلافة» بأنهم «خلية من الغلاة»، فلم يؤخذ بجدية التنبيه الى إن «داعش» ليس نهاية المطاف مادامت البيئة المنتجة للتطرف قائمة، وطالما أن الحرب عليه كما على غيره من التنظيمات الإرهابية تقتصر على عمليات أمنية ونتجاهل تغيير هذه البيئة، فقد بدا «داعش» لمن يتجاهلون ذلك كما لو أنه أقصى سقف يمكن يبلغه التطرف.
غير أن البيئة المنتجة لهذا التطرف ليست ساكنة، والسياسات البائسة التى تغذيها لا تتغير ولا تتبدل، ولذلك ظهر من يكفَّرون «داعش» وفقاً لما ورد فى التسجيل المصور، الذى بدا مماثلاً فى طريقته لشرائط تبثها الأجهزة الأمنية التى تحارب تنظيمات الإرهاب أينما كانت، فقد تضمن اعترافات من بعض أعضاء الخلية المضبوطة وهم يقررون أنهم قرروا مقاتلة «داعش» لأنه (تنظيم كافر باعتبار أن زعيمه «أبو بكر البغدادى» يأخذ الأموال من شعب كافر، وبالتالى فهو كافر أيضا).
وفى حدود هذا الكلام، وأخذاً فى الحسبان أن الوقت مبكر لتوقع اتجاه الموجة القادمة الأكثر عنفاً وإرهاباً من «داعش» واتباعه فى كل مكان، فالأرجح أن تكون هذه الموجة مزيجاً من «السلفية الجهادية» الأكثر غلواً والنزعة التكفيرية الأشد جموحاً، وإذا صح ذلك، سنكون إزاء أول امتزاج بين هاتين النزعتين اللتين تقاطعتا فى محطات سابقة، ولكنهما قد تلتقيان فى المحطة المقبلة فى موجة واحدة.