توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأبعاد الفكرية لانقسام الحزب الديمقراطي الاجتماعي

  مصر اليوم -

الأبعاد الفكرية لانقسام الحزب الديمقراطي الاجتماعي

وحيد عبد المجيد

قليلة هى الأحزاب السياسية المصرية التى لم يحدث خلاف فى داخلها بشأن موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية. وهذا خلاف طبيعى فى أى حزب طبيعى، لأن الكثير من الأحزاب المصرية لا تعتبر كذلك. فالحزب فى عصرنا هذا ينطوى على تنوع فى داخله بمقدار ما تكون لديه توجهات محددة وعضوية معقولة.
لقد انتهى زمن كان فيه الحزب موحّدا. فعندما ظهرت الأحزاب السياسية كان العالم يمر بمرحلة الثورة الصناعية الأولى. فكان الحزب هو المقابل فى النظام السياسى للصناعة فى النظام الاقتصادى. ولما كانت الصناعة فى أبسط تعريف لها فى ذلك العصر (عصر الصناعة التقليدية) تعتبر خط إنتاج سلع معينة، فقد ظهر الحزب باعتباره خط إنتاج سياسة محددة. فكان سهلاً إلزام الأعضاء بهذه السياسة التى ينتجها.
غير أن هذا النوع من الأحزاب أخذ يتراجع بانقضاء عصره، وانتهى تقريباً فى عصر صناعة المعرفة وما يقترن بها من ثورة اتصالات هائلة تجعل كل فرد على الشبكة العنكبوتية كما لو أنه حزب قائم بذاته. ولم يعد ممكناً أن تجد حزباً يُدار بطريقة مركزية صارمة إلا على سبيل الاستثناء الذى يكاد أن يقتصر على الأحزاب والجماعات ذات الطبيعة الفاشية. ولذلك فمن الطبيعى أن يحدث خلاف فى داخل أى حزب طبيعى ينتمى إلى عصرنا الراهن على قضايا مثيرة للجدل بطابعها. ولكنه يتفاوت فى حجمه وفيما يقود إليه من تداعيات بين حزب وآخر.
وتفيد أى نظرة مقارنة فى هذا المجال أن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى يشهد أكبر قدر من الخلاف الذى تسعى قيادته إلى إدارته بطريقة ديمقراطية حديثة. فلم يكن القرار الذى تم اتخاذه، وهو الامتناع عن دعم أى من المرشحين للرئاسة، كافياً لوضع حد للخلاف الذى مازال يتفاعل حتى الآن على نحو يثير قلق بعض قادته وأعضائه.
غير أن خلافاً من هذا النوع لا ينبغى أن يثير قلقاً لأنه دليل صحة ومؤشر على وجود حيوية ينبغى الحفاظ عليها عبر حوار جاد يهدف إلى دعم الفهم المتبادل وليس إلى اقتناع أحد الفريقين برأى آخر.
وينطوى هذا الخلاف فى أحد جوانبه وليس كلها بطبيعة الحال على اختلاف فكرى ربما لا يدرك كثير من المنغمسين فيه أبعاده. فلم يحظ البعد الفكرى فى الخلاف، وهو ليس البعد الوحيد بطبيعة الحال، باهتمام يُذكر. فالديمقراطية الاجتماعية التى يُفترض أنها تجمع أعضاء الحزب هى بمثابة مظلة عريضة يوجد تحتها اتجاهان مختلفان دون وعى بطبيعة هذا الاختلاف بسبب ضآلة الاهتمام بالأفكار فى الأحزاب المصرية باستثناءات قليلة مثل حزب العدل الذى يعبر عن اتجاه ليبرالى اجتماعى.
ولذلك ربما يكون الخلاف الراهن فى الحزب الديمقراطى الاجتماعى مناسبة تتيح تحديد بعده الفكرى بين اتجاهين هما الاتجاه الديمقراطى الاشتراكى والاتجاه الليبرالى الاجتماعى. فالديمقراطية الاجتماعية التى يعبر عنها هذا الحزب تتسع لهذين الاتجاهين اللذين يتفقان فى كثير من توجهاتهما رغم اختلافهما المبدئى حيث ينتمى كل منهما إلى عائلة من «العائلتين» الرئيسيتين اللتين ينقسم إليهما الفكر الإنسانى الحديث وهما- بشىء من التبسيط- عائلة الخلاص وعائلة الحرية.
فأما الأولى فقد ارتبطت بالبحث عن خلاص البشر من مشاكلهم عبر الانتصار لقضية كبرى (دينية أو وطنية أو قومية أو طبقية)، أو من خلال الرهان على شخص تتجسد فيه هذه القضية ويبدو قادراً على تحقيق ذلك الخلاص.
وأما العائلة الثانية فى الفكر الإنسانى فهى تنطلق من قدرة البشر على حل مشاكلهم وتحسين شروط حياتهم عندما يمتلكون حريتهم ويحررون عقولهم.
وهذا اختلاف جوهرى فى مقوماته الفلسفية والفكرية، ولكنه يضيق بين قليل من فروع «العائلتين» وخاصة بين الاتجاه الديمقراطى الاشتراكى الذى تعود أصوله الأولى إلى أيديولوجية خلاصية هى الماركسية، والاتجاه الليبرالى الاجتماعى الذى يمثل أحد التيارات المنبثقة عن المكون الرئيسى لعائلة الحرية وهو الليبرالية.
ويقدم الحزب المصرى الديمقراطى نموذجاً جيداً للجمع بين هذين الاتجاهين، اللذين يضم كل منهما بدوره أكثر من توجه فى إطار الديمقراطية الاجتماعية التى لم نجد تعبيراً عنها فى مصر قبل تأسيس هذا الحزب. فليت أعضاءه المختلفين على الانتخابات الرئاسية يدركون أنهم يقدمون تجربة بالغة الأهمية سيكون لها أثر بالغ فى التطور الفكرى للأحزاب المصرية إذا حافظوا عليها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأبعاد الفكرية لانقسام الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأبعاد الفكرية لانقسام الحزب الديمقراطي الاجتماعي



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon