بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لا توجد علاقة ظاهرة بين الإعلان عن إنتاج فيلم سينمائى جديد حول الرئيس الأمريكى السادس عشر إبراهام لينكولن, والحملة التمهيدية للانتخابات الرئاسية الجارية فى الولايات المتحدة .
غير أن تدنى مستوى هذه الحملة يدفع إلى المقارنة بين مغزى إنتاج عمل فنى جديد عن رئيس مازال يثير إلهام المبدعين بعد قرن ونصف على رحيله، والحالة الراهنة التى لم تعد تفرز سياسيين يحظون باحترام حتى إذا لم يكونوا ملهمين. فهذه الحالة التى لم يتصورها الآباء المؤسسون للنظام الديمقراطى الأمريكى لا تقتصر على المرشح المحتمل المثير للجدل دونالد ترامب، لأنه ليس إلا التعبير الأكثر فجاجة عن أزمة هذا النظام. يعتمد ترامب على هذه الأزمة، ويتوجه إلى من يمكن أن يؤيدوه تعبيراً عن احتجاجهم وليس تفضيلاً له. ولكن هيلارى كلينتون، التى يبدو طريقها ممهداً إلى البيت الأبيض، ليست أفضل, بل ربما أقل سوءاً، أو قل إن سوءاتها ليست سافرة بخلاف ترامب الذى يبالغ فى إظهار اختلافه ليحصد أوسع تأييد من جانب الغاضبين على “أمراء” و”أميرات” السياسة الأمريكية. ومن بينهم الآن أوباما الذى أحبط من راهنوا عليه قبل ثمانى سنوات.
فقد أثر أوباما فى مشاعر قطاع واسع من الأجيال الجديدة، مثلما يحاول ترامب أن يفعل ولكن فى اتجاه اخر تماما. وفى كثير من الأحيان يتصور من ينجح فى استثارة المشاعر والتلاعب بها أنه ملهَم (بفتح الهاء) وبالتالى يستطيع أن يحقق إنجازاً كبيراً بالاعتماد على ما يتمتع به من إلهام. وفى الأغلب الأعم أيضاً، يكون الفشل فى انتظاره، كما حدث مع أوباما، ومن قبله بوش الثانى، وكما سيحدث مع هيلارى كلينتون حال فوزها. وهذا هو ما يدفع إلى المقارنة بين لينكولن والرؤساء الأمريكيين فى العقود الأخيرة. لم يحاول لينكولن استثارة مشاعر شعبه أو مؤيديه، رغم أنه كان خطيباً وصاحب قضيتين كبيرتين هما إعادة الولايات الجنوبية إلى الاتحاد الأمريكى، وتحرير العبيد. ولكنه يثير إلهام المبدعين حتى الآن رغم وجود عدة أعمال فنية سينمائية ومسرحية عنه، أشهرها فيلم “مستر لينكولن شاباً” للمخرج جون فورد.
والدرس هنا أنه لكى يكون الحاكم أو السياسى مثيراً لإلهام المبدعين، عليه أن يدرك الواقع جيداً ويتفاعل معه وفق معطياته، وليس حسب ما يتخيله إلهاماً يتمتع به. فالحاكم إما أن يكون مُلهَماً (فتح الهاء) أو مُلهِما (بكسرها).