د. وحيد عبدالمجيد
صائب بالتأكيد هو الاتجاه إلى تحقيق توازن فى علاقاتنا الدولية، وتحرير سياستنا الخارجية من الارتهان للولايات المتحدة وأوروبا الغربية، والانفتاح مجدداً على روسيا. غير أن التوازن المطلوب فى علاقاتنا الدولية، والذى ينبغى أن يشمل اعادة بناء العلاقات مع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لا يعنى محاولة إعادة إنتاج العلاقات المصرية السوفيتية فى غير زمنها وظروفها. فقد انتهى الاتحاد السوفيتى ولا علاقة لروسيا الآن بسياساته وتوجهاته ومبادئه، كما أن موقع روسيا اليوم فى الاقتصاد العالمى أقل بكثير من ذلك الذى شغله الاتحاد السوفيتى قبل أن يدب فيه التدهور اعتباراً من سبعينات القرن الماضى. ولذلك ينبغى أن يكون الانفتاح على روسيا قائماً على رؤية واضحة للعلاقات الجديدة وخاصة على صعيد التعاون الاقتصادى والتجارى، فلا خلاف على إمكان الرهان على نزعة الرئيس فلاديمر بوتين لتدعيم دور روسيا فى النظام العالمى. فهذه النزعة, التى تعيد إلى الأذهان صورة بعض القياصرة الذين حققوا لروسيا أمجاداً، تجعله يبدو وكأنه قيصر يحمل عبق التاريخ وحلم المستقبل، وهى تتيح الرهان على تحقيق توازن سياسى سريع وبناء توازن عسكرى تدريجى فى علاقاتنا الدولية. غير أن العلاقات الاقتصادية والتجارية أمر آخر تماماً لا يمكن الرهان فيه على خبرة سابقة صار مكانها فى كتب التاريخ. ولذلك كان غريباً أن يتحدث وزير الصناعة والتجارة والاستثمار عن اتفاق على مساهمة روسيا فى تطوير المصانع التى أنشأها الاتحاد السوفيتى السابق مثل الحديد والصلب بحلوان. فكان عليه قبل الاتفاق على ذلك أن يبحث جدوى الاعتماد على روسيا التى لم تحقق تقدماً يُذكر فى تكنولوجيا الصناعات الثقيلة التقليدية فى العقود الأخيرة0 فقد أصبحت روسيا الآن دولة شبه نامية لأسباب أهمها أن اقتصادها تراجع كثيرا وأصبح الطابع الريعى غالباً عليه بمعنى أنه يعتمد بالأساس على تصدير مواد خام (النفط والغاز والفحم الحجرى والأخشاب وبعض المعادن النفيثة). فلم يحدث تطوير تكنولوجى فى البنية الصناعية التقليدية التى ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفيتى إلا فى الصناعات الحربية. و يكفى الرهان على “القيصر” فى هذا المجال لأن أوضاعنا الاقتصادية لا تتحمل مغامرة عبر الاعتماد على روسيا فى أى صناعات أخرى.