د. وحيد عبدالمجيد
كان أهم ما أكد عليه شيخ الأزهر د. أحمد الطيب فى لقائه رؤساء تحرير الصحف الخاصة قبل أيام هو التحذير من «الماكارثية» المنتشرة فى قطاع من الإعلام وجزء من المجال العام.
ولأن صحيفة «الشروق» وحدها هى التى اهتمت بالإشارة إلى ذلك، فقد اتصلت بالصديق عماد الدين حسين رئيس تحريرها للتأكد مما ورد فى التغطية التى نشرها، فأكده وأوضح أن الشيخ دعم ما قاله الزميل ضياء رشوان الذى أدار اللقاء بشأن خطر الماكارثية.
كان ذلك فى سياق رده على اتهام بعض مستشارى شيخ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء بأنهم ينتمون إلى جماعة «الإخوان». وهذا اتهام أصبح سهلا ضد أصوات مختلفة عما هو سائد على السطح الاعلامى والسياسي0 فهناك فعلاً استنساخ للحالة الماكارثية التى عانت منها الولايات المتحدة لسنوات فى أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، ويشعر الأمريكيون بالخجل منها الآن، بعد أن اعتذر معظم من تورطوا فيها وتبرأ بعضهم الآخر منها.
وتُنسب الماكارثية إلى سيناتور أمريكى عدوانى متطرف (جون ماكارثي) قاد حملة تشويه ضد كثير من المثقفين والكتاَّب والفنانين الأمريكيين، عبر اتهامهم إما بالشيوعية أو بالتآمر على الدولة لمصلحة الاتحاد السوفيتي، أو بتهديد الأمن القومي. واستغل ماكارثى نفوذه فى مجلس الشيوخ لتشكيل لجنة للتحقيق مع المتهمين، فكانت أقرب إلى «محكمة تفتيش» بغيضة من النوع الذى ساد أوروبا قبل عصر التنوير. غير أنه بينما وضع التاريخ ماكارثى وزمرته فى أسفل سافلين، رفع من تعرضوا للاتهام ورفضوا الخضوع إلى أعلى المراتب. ولننظر إلى ما كُتب عن هذا «الماكارثى» على مدى أكثر من نصف قرن، ونقارنه-كمثال واحد- بما يسجله التاريخ عن آرثر ميلر الكاتب المسرحى الحر الذى رفض المثول أمام اللجنة الفاشية، وتحداها بمسرحية تُعد من أهم الأعمال التى عرفها القرن العشرون.
كان صعبا تحدى الماكارثية البغيضة فى عنفوانها بشكل مباشر. ولذلك لجأ ميلر إلى حقبة سابقة قبيل الاستقلال الأمريكى شهدت اتهام الكنيسة لمخالفيها بالسحر والشعوذة وإعدامهم فى مدينة ماساشوستس. واستوحى ميلر تلك الفترة المعروفة باسم «مرحلة مطاردة السحرة» وكتب نصاً عبقرياً للإسقاط الواضح على الماكارثية تحت عنوان «المصلوبون» وقدمته فرقة مسرحية شجاعة فى نيويورك فى يناير 1954. وفشل الماكارثيون فى منع عرضه الذى بدأ فى الوقت الذى كانت الماكارثية تتراجع لتسكن بعد سنوات قليلة المكان الذى تستحقه فى التاريخ.