د.وحيد عبدالمجيد
ما الذى يمكن أن يفعله المثقف أو العالم حين تصطدم ثقافته أو علمه بجبروت سلطة طاغية سياسية كانت أو دينية؟ مازال هذا السؤال مثيرا
لجدل لا ينتهى بدأ بقصة سقراط فى الزمن القديم، وصار ملحاً منذ أن طرق الإنسان أبواب العصر الحديث وأخذ عقله يتفتح وشوقه إلى المعرفة يزداد.
ومن ذلك السؤال المركزى، تفرعت أسئلة كثيرة من أهمها تلك المتعلقة بالشجاعة والجّبن.
فإذا كانت مسئولية المثقف والعالم هى تنوير الناس والإسهام فى تقدم البشرية، فكيف يتصرف هذا أو ذاك إذا اصطدمت أفكاره بسلطة ترفضها وتريد إبقاءها حبيسة لا ترى النور؟ فهل يتوجب عليه هنا تحدى السلطة والإصرار على تقديم أفكاره أو نظرياته العلمية للناس بغض النظر عن الثمن الذى يدفعه حتى إذا ضحى بحياته؟ وهل هذه هى الشجاعة التى يفرضها تحمل المسئولية، أم أنها ضرب من ضروب الانتحار؟وإذا آثر المثقف أو العالم السلامة، فهل يُعد هذا جُبناً أو انتهازية، أم نوعا من الواقعية؟ وليس هذا إلا بعض أسئلة تثيرها مسألة العلاقة بين المثقف أو العالم والسلطة، وخاصة منذ أن اصطدم كثير من المثقفين والعلماء بمحاكم التفتيش الطاغية فى الفترة بين عصرى النهضة والتنوير.
ورغم أن هذه المحاكم انتهت، ظلت ممارساتها مستمرة بأشكال أخرى فى معظم أنحاء العالم بما فى ذلك أوروبا الأكثر تحرراً حيث مازالت هناك «تابوهات» مثل المحرقة النازية.
وفضلا عن نظم الحكم المغلقة التى تقمع من يخالفونها، «ورثت» جماعات ومؤسسات دينية إسلامية محاكم التفتيش، ولكن على طريقة كل منها.
ولذلك مازال الموضوع مطروحا ومنتجا لأعمال إبداعية يحاول بعضها أن يتجاوز العمل الأكثر أهمية فى هذا المجال حتى الآن، وهو مسرحية بريخت المشهورة «حياة جاليلى» التى كتبها عام 1936 مستوحياً قصة عالم الفلك جاليليو جاليلى مع محكمة التفتيش التى مثل أمامها عام 1633.
وقد اكتسبت تلك المسرحية أهميتها التاريخية من الفكرة التى قدمتها، وليس فقط من قيمتها الأدبية الرفيعة.
وبكثير من التبسيط يمكن اختزال هذه الفكرة فى أن خضوع العالم للقهر قد لا يُعد جبنا أو انتهازية إذا أراد أن يكسب وقتاً لإنضاج مشروعه.
غير أن بريخت لم يشأ أن يجعل الخضوع للقهر مكرمة. ولذلك أجرى على لسان جاليليو ما يفيد أنه يشعر بذنب عميق لأنه خان ضميره العلمى وأذعن للقمع رغم أن حفاظه على حياته أفاد البشرية بأكثر مما كان ممكناً لموته أن ينفعها.