د. وحيد عبدالمجيد
لا تعرف ثقافتنا الرقص إلا فى أسوأ أشكاله. فقد حوَّلنا الرقص الشرقى من فن إلى إثارة جنسية فابتذلناه ولم نترك مجالاً لتطوره كلون فنى له قواعده ومقوماته. كما عجزنا، إلا فيما قل أو ندر، عن استلهام فلسفة الرقصات التى نتعلمها من ثقافات شعوب أخرى. وحتى موروثنا الصوفى الجميل فى مجال الرقص الذى يعتمد على التأمل الروحى العميق عبر الحركة الدائرية البديعة، والذى يُعد «المولوية» أفضل من يقدمونها، فرَّغناه من مضمونه الروحى العميق.
فقد أطلقنا عليه «التنورة» نسبة إلى اللباس الذى يُرتدى خلال طقوسه واختزلناه بالتالى فى الشكل الخارجى بعيداً عن محتواه الروحى0 كما نشاهده بدون أى تفاعل معه ليس فقط لأننا لا نعرف ماهيته، ولكن أيضاً لأن الخواء الروحى السائد فى المجتمع لا يترك مجالاً لمثل هذه المعرفة.
فقد وصل انتشار الكراهية فى المجتمع إلى مستوى خطير، وتغلغل الانقسام السياسى الذى بلغ ذروة غير مسبوقة فى قلب هذا المجتمع، وأصبح قتل بعضنا البعض أمراً عادياً. ولذلك صار الرقص على الجثث هو النوع الأكثر شيوعاً من الرقص فى مجتمع لا يمر يوم بدون دم فيه.
وفى مثل هذه الحالة، التى تجعل أرواحنا خاوية كما لم تكن فى أى وقت مضى، تشتد حاجتنا إلى التفاعل مع الرقص الذى يضع حداً لهذا الخواء سواء ما هو موجود منه فى تراثنا الصوفى، أو ما نتعلمه من شعوب أخرى ساهمت رقصات مشهورة لديها فى تحسين حياتها مثل كثير من الرقصات اللاتينية المنتشرة فى أمريكا الجنوبية، أو حتى فى تخفيف آلامها وأحزانها حيث تبرز فى هذا المجال رقصة «التانجو» الأرجنتينية المشهورة عالمياً التى لم يصل إلينا منها إلا حركاتها الإيقاعية.
لقد وُصفت «التانجو» بأنها رقصة الأفكار الحزينة، أو طقس الأحزان الراقصة. كما وُصفت موسيقاها المميزة بأنها نوع من التأمل الفنى فى أحوال بائسة. ولكن هذا التعبير عن الحزن والبؤس، والذى تشتد حاجتنا إليه اليوم، يساهم فى تخفيف آلامهما. فأشد حالات الحزن والبؤس وأكثرها إيلاماً هى تلك التى ترتبط بخواء الروح على نحو يجعل الإنسان كارهاً نفسه بمقدار ما يكره الآخر المختلف معه ويتمنى زواله من الوجود.
ولعل هذا يفسر التغير الذى حدث فى نوع الأغانى المصاحبة لهذا النوع من الرقص على مدى تاريخه، كما فى الشرائح الاجتماعية التى أقبلت عليه خلال هذا التاريخ الذى يمتد إلى نحو قرن ونصف من الزمن.