د. وحيد عبدالمجيد
مرت قبل أيام الذكرى السابعة والتسعون لثورة 1919 المجيدة فى صمت تام. لم يذكرها أحد. ليست ذاكرتنا المثقوبة هى السبب الوحيد. عقولنا الخاوية سبب أكثر أهمية. انغماسنا فى أصغر الأمور وأكثرها تهافتاً تعبير عن هذا الخواء. افتقاد الوعى بتاريخنا نتيجة لهذا الخواء، وسبب له فى آن معاً. فالوعى بالتاريخ يعنى استيعاب دروسه والبناء عليها. وهذا هو ما يتيح التطلع إلى المستقبل بدون تكرار أخطاء الماضى.
غير أننا فى خوائنا الراهن لا نرى المستقبل أمامنا، بل وراءنا. نبحث عنه فى الماضى كل بطريقته. بعضنا يعود إلى ماض سحيق، والبعض الآخر مغرم بتاريخ قريب مازالت دروس أخطائه ملقاة على قارعة الطريق. ولكننا لا نلتفت إليها، ولا نلتقطها.
وإذا كانت دروس الفترة التالية لثورة 1952 غائبة فى الوقت الذى يتخيلها بعضنا نموذجاً سياسياً إعلامياً مفرَّغاً من محتواه الاجتماعى، ففى ثورة 1919 دروس ملهمة لم نلتفت إلى بعضها بعد.
أحد هذه الدروس نستمده من تعليق الزعيم سعد زغلول على شكوى «عم آدم» الذى كان يرعى حديقة بيته من أن تدفق أعداد كبيرة إلى «بيت الأمة» للاستماع إلى خطبه تؤذى الزهور والورد التى يزرعها لأنهم يدوسون عليها.
وعندما ازدادت شكوى «عم آدم»، وطلب عدم فتح البيت «على البحرى» أو الزام الحضور بالمحافظة على الورد، قال له زعيم الثورة إن هؤلاء الذين تشكو منهم هم الورد الجديد. فكان سعد زغلول يحلم بما تطلع إليه كل من يرون أن مصر تستحق الحرية والكرامة الإنسانية، ومنهم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم عندما كتب (صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر).
ولكن هذا الورد لا يمكن أن يتفتح إلا فى ظل مشاركة شعبية حرة ومجال عام مفتوح لهذه المشاركة. وهذا هو الدرس الذى لم نستوعبه على مدى عقود, ودلالته أن المجتمع اما أن يكون بستاناً يانعاً تتفتح فيه الورود والزهور بمختلف ألوانها وروائحها، أو أن يكون غابة مقفرة كئيبة بلا روح ولا أمل. وهذا هو الدرس الذى نحتاج لأن نستوعبه اليوم، بعد أن أثبت التاريخ صحته على مدى ما يقرب من قرن منذ أن عبر سعد زغلول عن معناه فى ثورة 1919. فإما أن تكون مصر بستاناً، أو أن تكون غابة. هذان هما الطريقان اللذان ينبغى أن نختار بينهما.