د. وحيد عبدالمجيد
ظل شراء أصوات الناخبين إحدى أهم آفات الانتخابات فى مصر على مدى تاريخها. تختلف الطرق والأساليب من عصر إلى آخر، ومن انتخابات إلى غيرها. ولكن تبقى الأصوات المعروضة للبيع، والمرشحون الجاهزون للشراء، مادام الفقر يُنهش قطاعا واسعا فى المجتمع، وما برح مستوى الوعى العام منخفضا.
ولكن جديد الانتخابات التى ستُجرى بعد شهور هو شراء مرشحين، وليس فقط ناخبين. فقد اتجهت أحزاب تملك موارد مالية إلى جذب مرشحين مستقلين أو من أحزاب أخرى، وإغرائهم بتمويل حملاتهم الانتخابية. وكان هذا ملحوظا عندما فُتح باب الترشح للانتخابات فى يناير الماضى، ولكنه لم يثر جدلا واسعا لأن المحكمة الدستورية العليا أوقفت العملية الانتخابية فعلياً عندما قضت بعدم دستورية بعض مواد قانونى مجلس النواب وتقسيم الدوائر.
غير أن الجدل حول هذه الظاهرة بدأ يتصاعد فى الفترة القليلة الماضية مع العودة إلى أجواء الانتخابات مرة أخرى. وبدأ رؤساء بعض الأحزاب التى تخشى أن يتركها مرشحون لها إلى أحزاب تملك موارد مالية أكبر فى إثارة هذا الموضوع بشكل صريح.
ورغم أن شراء مرشحين، وليس فقط ناخبين، يرتبط بضعف الأحزاب وصعوبة الظروف التى تعمل فيها واستسهال الأكثر ثراء بينها هذه الطريقة، تظل حالة المجتمع هى المصدر الأساسى للمشكلة.
فقد أدى التغير الذى حدث تدريجياً فى منظومة القيم المجتمعية على مدى العقود الأخيرة إلى انتشار ثقافة طفيلية متزايدة تشجع الكسب السريع أيا كان مصدره، وتُعلى من شأن الفهلوة وتحط من أهمية العمل، وتجعل المال متحكماً فى حياة الناس وعلاقاتهم، وتحول السمسرة من مهنة فى مجال الأوراق المالية إلى حالة مجتمعية، فأصبحت الرشوة علنية تُطلب جهارا نهارا وتقدم دون قلق أو خجل، وصار كل شىء قابلا للبيع والشراء. وعندما تسرى هذه القيم فى مجتمع تُدمر معنوياته، وتُحوَّل الإنسان نفسه إلى سلعة تُباع وتُشترى، ويصبح السؤال عن ثمن الشخص عادياً ومتداولاً.
ولذلك لا يبدو أن الانتقال من شراء أصوات ناخبين إلى شراء ولاءات مرشحين مثيراً لدهشة يصعب بدونها أن يفيق المجتمع من غفوته الطويلة، ليخرج من حالة تهدده بخطر بات داهماً.