د. وحيد عبدالمجيد
أدهشنى جداً اتهام رائد الصناعة المصرية طلعت حرب بأنه كان سلفياً بسبب اعتراضه على منح المرأة حقوقها فى وقت كانت النساء محرومات فيه من هذه الحقوق بدرجات متفاوتة فى العالم كله. لم يكن طلعت حرب وحده الذى خاض معركة ضد قاسم أمين عندما تبنى الدعوة إلى تحرير المرأة.
فقد كان معظم المثقفين والسياسيين ووجهاء المجتمع ضد هذه الدعوة دون أن يكون أحدهم سلفياً. ولم تكن الحركة السلفية قد عرفت طريقها إلى مصر أصلاً فى ذلك الوقت. فقد بدأت هذه الحركة مع تأسيس الجمعية الشرعية فى العقد الثانى من القرن العشرين.
كان طلعت حرب وغيره من مناهضى تحرير المرأة محافظين Conservatives اجتماعياً. ولا توجد علاقة بين الأصول الفكرية للنزعة المحافظة، وهى غربية فى الأساس بدأت فى أحد أهم جوانبها كرد على الليبرالية فى أوروبا، والنزعة السلفية التى تستند إلى «الغرفة المظلمة» فى الفقه الإسلامى وتستبعد ما هو مثير فيه.
كان طلعت حرب جزءاً من حالة ثقافية ـ اجتماعية عامة نجحت فى حجب حقوق المرأة السياسية فى أوروبا الليبرالية الديمقراطية حتى بداية القرن العشرين. فلم تشارك المرأة فى انتخابات عامة فى بريطانيا إلا عشية الحرب العالمية الأولى.
ولم تكن قضية حرية المرأة على جدول أعمال التنوير الأوروبى وفلاسفته ومثقفيه فى المرحلة التى توصف بأنها عصر التنوير فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر. فلم يُعن بهذه القضية بين هؤلاء إلا المثقف الموسوى الفرنسى ديدرو، الذى كان هو أول من لاحظ أن التاريخ ظلم المرأة أشد الظلم. ويمكن أن نتخيل كيف كان وضع المرأة صعباً فى أوروبا حين نتأمل دعوة ديدرو الرجال إلى التعبير عن قضيتها لأن المجتمع يفرض عليها إما أن تصمت أو أن تقول ما لا تجرؤ على النطق به.
وكان معظم رواد التنوير يعتقدون أن التغيير الثقافى هو السبيل إلى تغيير المجتمع. وتعاملوا مع قضية التقدم على أساس أنها حلقات متوالية، وليست سلسلة متصلة الحلقات. ولذلك ظلت أفكار الفيلسوف الألمانى هيجل المحافظة بشأن المرأة هى الأكثر تأثيراً فى أوروبا حتى نهاية القرن التاسع عشر على الأقل.
فليس غريباً اذن أن تكون هذه النزعة المحافظة سائدة فى مصر عندما ووجهت أفكار قاسم أمين بعاصفة لم يكن طلعت حرب إلا جزءاً صغيراً فيها.
نقلاً عن "الأهرام"