د. وحيد عبدالمجيد
لا يمكنك كسب المعركة إذا نجح العدو فى فرض قواعدها عليك، ودفعك لأن تخوضها بطريقته، وخاصة إذا كان هدفك من هذه المعركة هو مقاومة هذه الطريقة على وجه التحديد.
فالمفترض فى معركتنا الراهنة ضد الإرهاب أننا نخوضها لكى نتقدم إلى الأمام، ونبنى مجتمعاً حديثاً ودولة تعيش فى هذا العصر، ضد من يريدون إعادتنا إلى الوراء.
وهذا هو ما دفعنا إلى رفض حكم جماعة “الإخوان”، التى أصرت قيادتها على فرض إرادتها علينا حتى بعد إسقاط سلطتها. ولذلك فهى تكسب بكل أسف، ونخسر نحن، عندما نعيد أنفسنا بأنفسنا إلى الوراء، سواء على المستوى السياسى، أو على صعيد العقل وهو الأهم والأشد خطراً.
فتضييق المجال العام يوماً بعد آخر، ومحاصرة السياسة والسعى إلى نزعها من المجتمع مجدداً، يمثلان ردة تُضعف قدرتنا على مواجهة الإرهاب لأنها تُقيد المشاركة المجتمعية فى هذه المواجهة.
ولكن هذا الخطر يظل أقل مما يواجه العقل المصرى العام، الذى يعود إلى الخلف لعقود طويلة وليس لسنوات. وكثيرة هى الأمثلة الدالة على هذه الردة فى الخطاب الإعلامى السائد، وفى ردود الفعل على الجرائم الإرهابية التى تهددنا، وفى المؤامرات التى لا نكف عن تخيلها إلى حد أننا بتنا نرى وراء كل شجرة مؤامرة.
غير أن مشهد وقفة التنديد بالإرهاب فى ساحة مسجد النور بالعباسية الثلاثاء الماضى يبدو فارقاً من الناحية الرمزية فى هذا المجال. فرغم اختلاف التفاصيل، بدا مشهد من وقفوا فى تلك الساحة كما لو أنه إعادة إنتاج مشهد من تجمعوا داخل أحد المساجد فى بداية الحملة الفرنسية على مصر عام 1798.
فكان الهتاف فى ساحة مسجد النور (ياحناّن يامناّن .. طهر مصر من الإخوان) غير بعيد عن ذلك الذى ارتفع فى أحد المساجد قبل أكثر من قرنين وهو (ياخفى الألطاف .. نجنا مما نخاف).
ويجمع المشهدين، كما الهتافين، عجز عن التعامل مع التهديد نتيجة عدم القدرة على فهم أبعاده. ولا يحدث ذلك إلا عندما يتعطل العقل فلا يستطيع القيام بوظيفته.وإذا كانت حالة هذا العقل حين صدمته الحملة الفرنسية جعلت رد فعله البدائى مفهوماً فى سياقه، فمن عجب أن نعود إلى مثل هذه الحالة الآن فى مواجهة من يُفترض أن نتسلح بما تراكم لدينا من حداثة فى مواجهتهم .