بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لا جدوى من أى مراجعة إذا لم يترتب عليها تصحيح الاختلالات الأكثر جوهرية فى بنية جماعة «الإخوان المسلمين» على المستويين الفكرى والتنظيمى فى آن معاً. وليس هناك ما يدل على أن حديث المراجعة، الذى بدأ فى بعض أوساط الجماعة فى الخارج يمكن أن يؤدى إلى مثل هذا التصحيح، لأنه يتركز على مسألة العلاقة بين السياسة والدعوة.
كان الخلط بين السياسة والدعوة من أهم عوامل اختلال بنية الجماعة فى عقودها الأولي. ولكن هذا الاختلال أصبح أكثر تعقيداً الآن على نحو يجعل قضية العلاقة بين السياسة والدعوة جزءاً صغيراً فيه. فقد تراجع وزن هذه القضية ضمن مصادر الاختلالات فى بنية الجماعة نتيجة انغماسها فى الساحة السياسية. ومع مرور الوقت، أصبح جمود هذه البنية وانغلاق التنظيم على نفسه واستعصاؤه على التطور والانفتاح هما مصدر الخلل الرئيسى الذى ظهرت آثاره الكارثية تدريجياً بعد ثورة 25 يناير.
لم تفشل قيادة «الإخوان» فى استيعاب أبعاد التفاعلات التى ترتبت على هذه الثورة، وفى التعامل معها، بسبب التداخل بين السياسة والدعوة. ولم تنقلب قيادة الجماعة على معظم تعهداتها التى التزمت بها، وفى مقدمتها عدم الترشح فى أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، نتيجة هذا التداخل. ولم يكن الخلط بين السياسة والدعوة هو سبب فشل الجماعة حين وصلت إلى السلطة.
كان هذا كله، وغيره، نتيجة تطرف سياسى وليس تطرفاً دينياً بالمعنى التقليدى الذى قد يفيد الفصل بين السياسة والدعوة فى معالجته. وقد أنتج التطرف السياسى موقفاً ضد الآخر بصفة عامة، وليس ضد الآخر الدينى فقط، بل أصبح رفض الآخر السياسى أقوى وأشد. ونتج ذلك عن ازدياد الجمود فى تنظيم الجماعة إلى حد جعله محَّصناً تجاه أى إصلاح فى بنيته. ولذلك أصبح هذا الإصلاح شرطاً لمعالجة أى خلل آخر من نوع الخلط بين السياسة والدعوة.
فعندما يتجمد أى تنظيم وينغلق على نفسه، يشعر بالتمايز ثم بالتميز، ويتعذر عليه أن يثق فى غير أعضائه. ويزداد خطر هذا الجمود حين يكون العقل السياسى للتنظيم ضعيفاً أو مفقوداً، فلا يجد ما يضبط حركته ويكبح اندفاعه فى لحظات معينة.
وهذا هو المفتاح لأى مراجعة جادة يقدُم عليها أى من قادة «الإخوان» الذين ربما يكون بعضهم قد بدأ فى إدراك فداحة ما فعلوه، وما حدث لهم.