د. وحيد عبدالمجيد
مستوى غير مسبوق من التدنى فى الصراعات التى تتصدر المشهد العام، وفى وسائل إدارتها. كانت هناك صراعات صغيرة فى مختلف المراحل. ولكنها لم تكن هى الطاغية بخلاف ما يحدث الآن فى غياب الصراعات الجادة حول قضايا سياسية وفكرية.
وكانت هناك وسائل متدنية أيضاً فى إدارة الصراعات فى مختلف المراحل. ولكنها لم تكن هى الغالبة بخلاف ما يحدث الآن، حيث أصبحت أساليب الإسفاف والسب والشتم و«الردح» والاغتيال المعنى، وصولاً إلى الضرب بالحذاء فى قلب البرلمان، طاردة للنقاش والحوار الموضوعى والحجة والمنطق.
ويعود ذلك لأسباب عدة نكتفى منها باثنين. أولهما المناخ العام الذى يتيح لأى شخص مفلس سياسياً وفكرياً أن يستبيح خصومه، وخاصة إذا كانت لديه نافذة إعلامية، مما أدى إلى ابتعاد معظم من يحترمون أنفسهم عن هذه الأجواء. ولا يدرك من يستبيحون غيرهم أنهم يكرَّسون مناخاً قد يجعلهم معرَّضين للاستباحة فى وقت لاحق. وهذا هو ما حدث لعضو فى البرلمان طالما استباح المختلفين معه ورفع الحذاء فى وجوه بعضهم فى قناته الفضائية، ولم يتصور نفسه مضروباً بحذاء آخر أحد من يتأثرون به. فمن يستبيح يُستباح ولو بعد حين. ومن يلجأ للحذاء للتعبير عن موقف انما يبتذل هذا الموقف ويسئ اليه, فضلا عن تكريسه للاسفاف الذى يرد عليه0
وثانيهما غلق أبواب الحوار فى قضايا كبرى, اما لأنها منزوعة من جدول أعمال المجتمع, أو لأن تناولها قد يفضى لعواقب وخيمة0 مثال واحد على ذلك ما حدث للإعلامى إسلام بحيرى عندما فتح قضية الخطاب الدينى. فهذا مثال لقضايا حقيقية كان ممكناً إجراء حوار موضوعى حولها، أياً كان الرأى فيما طرحه بحيرى ومستوى معرفته. وبدلاً من فتح افاق لهذا الحوار، دفع بحيرى ثمناً فادحاً لمحاولته طرح قضية جادة.
وفى مثل هذه الأجواء، يحدث فراغ يُملأ فى الغالب من خلال إما قضايا صغيرة ومتهافتة، أو عبر تصغير قضايا كبيرة وتحويل الخلاف حولها إلى مهزلة من النوع الذى حدث فى البرلمان عقب «استعراض» متهافت قام به أحد أعضائه بصحبة السفير الإسرائيلى.
لقد كانت قضية التطبيع موضع صراع جاد لم يتجاوز حدود الخلاف السياسى والفكرى على مدى عقود. ولكن فى أجواء الخواء الراهن, ينجر أحد أصحاب التاريخ فى مقاومة التطبيع وأخطاره الى ابتذال هذا الموقف الوطنى وتسفيهه. ولكن ما الذى لا يُبتذل ويستباح هذه الأيام؟