د. وحيد عبدالمجيد
ربما يبدو الزلزال السياسي, الذى تجاوز حدود اليونان إلى أوروبا كلها بعد فوز الائتلاف اليسارى "سيريزا" فى الانتخابات البرلمانية، منبت الصلة بقضايانا وهمومنا المصرية.
ولكن الأمر ليس كذلك، لأن التغيير الذى حدث فى اليونان يعنى امكان إحداث قطيعة مع سياسات اقتصادية – اجتماعية خاطئة استمرت عقودطويلة فى ظروف أصعب بكثير من تلك التى نعيش فيها الآن .
وبعيداً عن التفاصيل والتعقيدات الاقتصادية، يمكن اختزال التغيير اليونانى فى نجاح ائتلاف يضم قوى يسارية جديدة وليبرالية اجتماعية جذرية0 ويشبه هذا الائتلاف التيار الديمقراطى عندنا فى تركيبه ولكن ليس فى قدراته وجديته وأدائه.
ويقدم "سيريزا" بديلا لسياسات ظالمة أغرقت اليونان فى بحر من الديون، ووضعتها تحت هيمنة الرأسمالية الأوروبية (وليست فقط اليونانية) المتوحشة التى فرضت على الحكومات السابقة سياسات تقشفية يدفع ثمنها الفقراء والطبقة الوسطى عبر زيادة الأسعار وإلغاء الدعم الحكومى لمختلف السلع والخدمات والتوسع فى فرض مزيد من الضرائب دون تطبيقها بشكل تصاعدي.
ولا تؤدى مثل هذه السياسات سوى إلى زيادة الفقر وتوسيع نطاق من يعيشون تحت خطه وضم شرائح اجتماعية أخرى إلى عداد الفقراء، فى الوقت الذى تزداد القلة المتحكمة فى الاقتصاد ثراء وتتضاعف ثرواتها.
لقد ذاق الشعب اليونانى الأمرين لسنوات طويلة فى ظل هذه السياسات التى وضعتهم تحت هيمنة الترويكا الأوروبية – الدولية (البنك المركزى الأوروبى والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي). لذلك انتفض المضارون من هذه السياسات فى الانتخابات التى أعطت ائتلاف "سيريزاً" أكثرية مريحة، وصار زعيمه الشاب المُلهم الكسيس تسبيراس رئيساً لحكومة تمثل تحدياً للرأسمالية المتوحشة، وتواجه تحديات كبرى فى إدارة أزمة رهيبة.
والدرس الذى يصح أن نستوعبه من هذه التجربة أنه فى امكاننا أن نغير سياسات فُرض بعضها علينا من صندوق النقد الدولي، ودعمت الرأسمالية المتوحشة أكثرها ومازالت، إذا امتلكنا إرادة سياسية للتغيير من أجل انقاذ اقتصادنا, وليس فقط للحد من الظلم الاجتماعي.