بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
برغم أن بداية الوجود الفدائى الفلسطينى فى لبنان تعود إلى العامين التاليين لتأسيس منظمة «العاصفة» جناحًا عسكرياً لحركة «فتح» فى يناير 1965، فقد توسع وتنامى بسرعة عقب أزمة «أيلول الأسود» فى الأردن سبتمبر 1970. كانت السلطات اللبنانية قلقة من وجود المقاومة وعملياتها الصغيرة حينذاك، مما أدى إلى حدوث احتكاكات متعددة بين الطرفين. ومع ذلك تمكنت المقاومة من إيجاد ركائز لها عند خط وقف إطلاق النار مع الكيان الإسرائيلى، وفى المخيمات الفلسطينية، بمساعدة قوى وطنية لبنانية عدة، فى الوقت الذى اتخذت قوى أخرى موقفاً معادياً لها.
ولكن الاعتداءات الإسرائيلية التى استهدفت إضعاف ركائز المقاومة فى الجنوب اللبناني، ودفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لمحاصرتها، نجحت فى خلق أزمة عقب الغارة على مطار بيروت فى ديسمبر 1968 إذ سعت هذه السلطات إلى التضييق على العمل الفدائى. فكانت أزمة 1969 الكبيرة التى بدأت فى أبريل وانتهت فى نوفمبر بتوقيع اتفاق القاهرة. كان الاتفاق توافقيا وتوفيقيًا، وبالتالى قابل لأكثر من تفسير فيما يتعلق بتنظيم وجود المقاومة وحرية الحركة المتاحة لها. ولكنه عمَّق الانقسام بين فريقين لبنانيين ضم الأول منهما الحزب التقدمى الاشتراكى، وحركة القوميين العرب، والحزب الشيوعى، وحزب البعث، وجبهة مكافحة الصهيونية، فيما شمل الثانى حزب الكتائب وحزب الجبهة الوطنية وجيش تحرير زعزتا.
وكان طبيعياً أن يزداد هذا الانقسام مع تصاعد عمليات المقاومة عقب طرد مقاتليها من الأردن وانتقال كثير منهم إلى لبنان. فقد باتت الساحة اللبنانية المنفذ الوحيد للعمل الفدائى فى منطقة الجليل المحتلة، فتصاعدت الاعتداءات الصهيونية التى صار واضحاً فى ذلك الوقت أنها تهدف إلى تغيير الوضع الداخلى، وتأليب السلطات على المقاومة. وعمد الصهاينة إلى زيادة التصعيد عقب كل عملية فدائية حتى إذا كانت بعيدة عن لبنان مثل عملية ميونخ سبتمبر 1972. الأمر الذى خلق أزمة جديدة فى منتصف 1973. كما ظهرت نذر مواجهة بين القوى اللبنانية المؤيدة للمقاومة والرافضة التى تبنى بعضها خطاباً صهيونياً نسمعُ مثله الآن فى حملات منظمة ضدها برغم اختلاف تكوينها وتغير الوضع فى لبنان والمنطقة.