بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ثلاثة مواقف يفوق كل منها الآخر فى تحضره ورقيه أظهرتها أزمة نشر شبكة «سى.إن.إن» تحقيقاً أساء إلى أنطوى سكاراموتش الذى ورد فى هذا التحقيق أنه متهم محتمل فى نشاطات صندوق استثمارى روسى يسعى الكونجرس إلى معرفة الحقيقة بشأنه.
أول هذه المواقف اعتذار «سى.إن.إن» عن التحقيق الذى نشرته، وسحبه من التداول، وتعطيل كل روابطه على شبكة «الإنترنت». وثانيها استقالة ثلاثة من كبار صحفييها اعترافاً بتقصيرهم. والموقف الثالث قبول سكاراموتش الاعتذار بطريقة تعبر عن احترامه للإعلام الذى يعتذر حين يجانبه الصواب.
وعندما نتأمل هذه المواقف، تصدمنا المسافة البعيدة التى تفصلنا عن القواعد المهنية التى تحكم الإعلام الحقيقى، أو الذى يستحق أن يُقال عنه إعلام فى هذا العصر. لم تنكر إدارة «سى.إن.إن» التقصير رغم إعلانها أن التقرير ليس خاطئاً فى مجمله من وجهة نظرها. ولم تتخذ من وجود بعض الصواب فيه ذريعة للتهرب من مسئوليتها المهنية بدعوى النظر إلى نصف الكوب المملوء لأن النصف الفارغ هنا أكثر أهمية.
ولم يقتصر الاعتراف بالتقصير على كاتب التحقيق توماس فرانك. فقد استقال معه المحرر الذى يتولى مراجعة التحقيقات وتحريرها، والمسئول عن الوحدة التى يعمل فيها فرانك. ويصعب الجزم بما إذا كان ثلاثتهم بادروا بالاستقالة، أو طُلب منهم ذلك. ولكن الاستقالة والإقالة تتساويان هنا فى هذه التعبير عن المعنى الجوهرى لاحترام القواعد المهنية.
أما سكاراموتش الذى أساء إليه التحقيق فقد ضرب مثلاً فى تشجيع احترام هذه القواعد عندما فضل قبول الاعتذار، بل الإشادة به، على اللجوء إلى القضاء بخلاف ما يفعله بعض من يسابقون الخطى لتقديم بلاغات ضد صحفيين ووسائل إعلام بدعوى حرصهم المفرط على المصلحة الوطنية، دون إدراك أن دعم حرية الإعلام من أهم أركان هذه المصلحة.
والحال أن ضعف ثقافة الاعتذار يظل أحد أهم الآفات التى يعانى منها مجتمعنا ويفقد بسببها فرصاً تلو الأخرى للتقدم الذى يتطلب, ضمن ما يتطلبه, النظر إلى الأمام مثلما قال سكاراموتش عندما أعلن قبول اعتذار «سى.إن.إن».