بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
أكثر ما يلفت الانتباه في التعليقات علي الاجتهاد المنشور في 15 أغسطس الحالي تحت عنوان «خفض التشنج» أن هناك شكوكاً عميقة في إمكان محاصرة دوائر التعصب والتطرف والكراهية التي أشرتُ في ذلك الاجتهاد إلي خطرها علي النسيج المجتمعي.
ومفهومة دوافع هذه الشكوك في ظل حالة حرب الكل ضد الكل في كثير من المجتمعات العربية، وربما فيها كلها بدرجات متفاوتة. ولذا يبدو لكثيرين أننا إزاء حالة قد تكون مستعصية.
ولكن هذه الحالة ليست الأولي من نوعها في العالم. التاريخ الحديث يزخر بحالات من هذا النوع رغم أن حداثته ارتبطت بتحولات من أهمها ترسيخ قيم قبول الآخر، وحل الخلافات عن طريق الحوار والتفاهم.
غير أن هذه التحولات تطلبت نضالا وجهدا متواصلين علي مستويات عدة، خاصة علي المستوي الفكري والثقافي منذ أن تبني عدد من المثقفين الأوروبيين مبدأ التسامح في القرن السابع عشر. ومن جون لوك في القرن السابع إلي كارل بوبر في القرن العشرين، اكتمل مبدأ التسامح من الناحية المعرفية0 فإذا لم يكن هناك إنسان معصوم من الخطأ، يصبح التسامح لازماً لكي يحميه من الوقوع في أسر أخطر شعور غريزى يصيبه وهو الاعتقاد في أنه علي صواب دائماً، وأن غيره هو المخطئ طوال الوقت. فهذا الشعور هو المصدر الأول للتعصب والتطرف والكراهية، وصولاً إلي العنف ضد الآخر الذي لابد أن نراه مخطئاً حين نفتقر إلي التسامح الذي يدفع إلي فهم هذا الآخر.
واختزل بوبر معني التسامح علي هذا النحو في ثلاثة عناصر هي أنني قد أكون مخطئاً، وقد تكون أنت علي صواب، وأننا حين نتحاور بالعقل قد نصل إلي تصحيح أخطائنا معاً, وأن هذا الحوار يساعدنا علي الاقتراب ـ معاً أيضا ـ من الحقيقة التي لا يملكها أحد.
غير أن مبدأ التسامح الذي استغرق تبلوره ثلاثة قرون يهتز الآن في العالم، وليس في منطقتنا فقط. وما تصاعد النزعة العنصرية، سافرة أو مستترة، إلا أحد أهم مظاهر هذا الاهتزاز الذي تتطلب مواجهته تحديد ما لا يجوز التسامح فيه بدقة، وهو محصور في ممارسة العنف والتحريض عليه، والحض علي التمييز بين الناس.