بقلم د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى عوامل تقدم الدول والمجتمعات. بعض هذه العوامل جديد يرتبط بالعصر الحديث، وبالتحولات التى يشهدها العالم فى العقود الأخيرة على وجه التحديد. ولكن بعضها الآخر قديم يعود إلى قرون طويلة مضت.
وأحد أسباب تفاقم أزماتنا التى تراكمت فى العقود الماضية هو أننا لا نفتقر إلى كثير من عوامل التقدم فى العصر الحديث وثورته المعرفية الراهنة فقط، بل لافتقادنا أيضاً أهم العوامل القديمة اللازمة لتحقيق أى نجاح أو إنجاز يشعر به المجتمع كله، وهو الثقة.
فهذه الكلمة الصغيرة، المكونة من ثلاثة حروف فى اللغة العربية “ثقة” ومن أربعة فى الإنجليزية Trust، هى الأساس الذى تقوم عليه المعاملات بين الناس فى أى مجتمع، أو فى قطاع من قطاعاته، وتستند عليه علاقاتهم مع سلطة الدولة، مثلما يرتبط به عمل مؤسسات هذه السلطة وأجهزتها. ولذلك فإذا غابت الثقة أو ضعفت، يرتبك الأداء، ويتوه الناس، لأن الجميع سيحذرون بعضهم البعض، ويشك كل شخص فى الآخر, ويتعذر التعاون بينهم فى الوقت الذى يتحول التنافس المنتج الى صراع مدمر . ورغم تعدد العوامل المؤثرة فى الوضع الاقتصادى، تظل الثقة فى مقدمتها لأن غيابها أو تراجعها لابد أن يقود إلى ركود حيث تقل الاستثمارات أو تتوقف، وتتباطأ المعاملات نتيجة المغالاة فى طلب ضمانات إضافية. كما أن الثقة هى المحدد الأول للتفاعلات السياسية لأنها تؤثر بشكل مباشر فى نوع هذه التفاعلات وحجمها. وشتان بين أجواء يتوفر فيها قدر معقول من الثقة فى الآخر، وأخرى يسودها التربص والترصد والاتهامات المتبادلة والتفسيرات التآمرية. وفى هذه الحالة يقل بل يندر اهتمام أى طرف بما هو إيجابى فى حديث الآخر أو أدائه، ويزداد البحث عما يدعم الشكوك فيه وتأويل كل ما يصدر عنه فى هذا الاتجاه. وهذا هو أحد أخطر ما يمكن أن يواجه أى بلد، لأنه يؤثر فى مختلف مناحى الحياة فيه، على النحو الذى يحدث فى مصر الآن ويتطلب جهداً هائلاً لوضع حد له. فحالة افتقاد الثقة تعيد إنتاج نفسها، وتتغذى على ما يمكن أن نسميه صناعة الكراهية. وحين يغرق المجتمع فى هذه الحالة, وحيث يصيب الركود الاقتصادى الصناعة فى مقتل، تصبح صناعة بناء الكراهية هى أكثر الصناعات ازدهاراً وأكثرها إنتاجاً.
فلننتبه إلى ما نفعله فى أنفسنا وبلدنا قبل فوات الأوان.