بقلم: د. وحيد عبدالمجيد
تشتد حاجة البشر فى عالم اليوم إلى استدعاء سيرة عيسى عليه السلام، ووصيته الأخيرة. ولو أن أصحاب القوة والنفوذ والسلطة والسطوة والمال والجاه فى عالمنا تأملوا معنى الحب والتسامح اللذين أوصى المسيح البشر بهما، لربما صار الكوكب الأرضى فى حال أخرى.
تحل هذه الايام, عشية عيد القيامة, ذكرى الآلام العظيمة التى تحملها المسيح، وما تنطوى عليه من دروس مُلهمة تدور حول الحب الذى لم يعد له مكان إلا قليلاً أو نادراً فى عالم تسوده الكراهية والبغضاء.
رفع المسيح الحب إلى أعلى مرتبة، وجعله القيمة العليا فى الحياة، والمعنى الأكثر عمقاً فيها. ويبدأ هذا الحب بقبول الآخر، ولا ينتهى بالتسامح الذى يبلغ أعلى مبلغ عندما يغفر الإنسان لمن أساء إليه، بل لمن عذبه. ألم يغفر المسيح لجلاديه الذين اضطهدوه وعذبوه لأنهم (لا يدرون ماذا يفعلون؟).
يبدو، للوهلة الأولى، أن هذا المستوى من الغفران المترتب على إعلاء قيمة الحب والانغماس فيها يتجاوز قدرة البشر. لكنه يمثل، فى الوقت نفسه، خطاً فاصلاً بين نوعين من الناس، ونمطين فى الحياة، أو قل إنه يفصل بين الكائن البشرى العادى من ناحية، والإنسان الذى تتوافر فيه من الناحية الثانية مقومات النزعة الإنسانية الحديثة, التى اختلطت باتجاهات وفلسفات مختلفة، ولم يبق منها إلا معنى عام يدل على حرية الإنسان وتقدمه، ويحث على المساواة، ويهدف إلى السمو الأخلاقى.
وحين نتأمل سيرة عيسى عليه السلام، ونركز فى فترة الآلام العظيمة، نجد فيها الأساس الأول لهذه النزعة الإنسانية فى وقت مبكر للغاية قبل عشرين قرناً، ويُدهشنا أن دروس تلك السيرة سقطت من التاريخ، وأن قيمة الحب التى تمنى أن تسهم آلامه فى نشرها لم تجد لها مكاناً فى عالم يتلظى بالمظالم من كل نوع وصنف، وأن الفقراء والضعفاء الذين أحبهم يزدادون عدداً وألماً. وإذا أحسنا تأمل هذه السيرة الملهمة، ربما نعرف لماذا أصبح الحزن غالباً فى عالمنا0 فقد ربط عيسى عليه السلام الفرح بالحب، أو بالأحرى جعل حب الناس شرطاً للشعور بفرح حقيقى يمكن أن يجده الإنسان حتى فى أصعب الظروف وأكثرها قسوة.