بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
مستقبل مجهول ينتظر ما كانت ذات يوم إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس. كانت المستعمرات الممتدة فى أنحاء العالم من الهند إلى أمريكا هى المجهول مستقبلها، عندما كان مصيرها يتحدد فى لندن التى ينتظرها الآن مصير غير معلوم.
رفض مجلس العموم اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبى، دون أن يكون هناك بديل عنه. يتطلع رافضوه إلى بديل أفضل يصعب تصوره، ليس بسبب تعنت قيادة الاتحاد، ولكن لأن تقديم تنازلات تتيح لبريطانيا مكاسب كبيرة سيُغرى دولاً أخرى بالخروج. وسيؤدى هذا إلى تفكك الاتحاد لا محالة.
ولذلك، يلوح فى سماء بريطانيا اليوم ما يُطلق عليه سيناريو الرعب، أى الخروج دون اتفاق. وهذا سيناريو مُرعب لأنه يؤدى إلى خسائر اقتصادية مهولة تبدأ بارتباك فى حركة التجارة ولا تنتهى بتراجع مركز لندن التى تعد «عاصمة» مالية لأوروبا ونقل عدد متزايد من الشركات مراكزها إلى دول أخرى، وانسحاب بعضها بشكل كامل.
وإذ يصعب تصور اتفاق أفضل من ذلك الذى رفضه البرلمان، وفيما لا يؤدى تفاهم ممكن على تمديد موعد الخروج من الاتحاد سوى إلى حل مؤقت، ربما لا يكون أمام حكومة تيريزا ماى ومجلس العموم إلا صيغة لخروج جزئى فقط. والمقصود هنا البقاء ضمن الاتحاد الجمركى الأوروبى، وبالتالى المحافظة على حرية التجارة والحركة والعمل مع دول الاتحاد، أى صيغة شبيهة أو قريبة من حالة النرويج.
لكن هذه الصيغة لا تختلف جوهرياً عن البقاء فى الاتحاد. ولذلك ربما يكون خيار الاستمرار فى عضويته أكثر منطقية. ويتطلب هذا الخيار العودة إلى الهيئة الناخبة، التى اقترعت بأغلبية طفيفة لمصلحة الخروج من الاتحاد فى 23 يونيو 2016. وهذا خيار ديمقراطى، فضلاً عن ضرورته العملية، بخلاف ما يراه من يقولون إن الشعب حسم قراره فى الاستفتاء السابق. فقد تغيرت أمور كثيرة منذ إجراء ذلك الاستفتاء، بما فى ذلك الأجواء المشحونة ضد الهجرة. لكن المهم أن يسبق الاستفتاء الجديد شرح كامل للاتفاق الذى رفضه البرلمان، بحيث يكون على الناخبين أن يختاروا هل يقبلونه إذا أرادوا الخروج؟ أم يفضلون البقاء فى الاتحاد.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع