بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
هل يمكن بناء مؤشر لقياس أوزان الدول الأكثر إسهاما فى الطور الراهن من الحضارة الإنسانية، وترتيبها وفق معايير دقيقة؟ الإجابة بالإيجاب. ولكن مهمة بناء مثل هذا المؤشر أصعب مقارنة بالمؤشرات التى تقيس تفوق الدول ونجاحها فى مجالات محددة. أما المهمة الأصعب فهى تحديد معايير متفق عليها لاختيار الدولة الأكثر إسهاما فى تقدم البشرية بوجه عام خلال العقود الأخيرة.
ومع ذلك، تبدو ألمانيا مؤهلة أكثر من غيرها للحصول على هذه المرتبة. فإلى جانب إسهاماتها المميزة، قدمت ألمانيا دروسا ملهمة بحيث يجوز القول إنها علَّمت العالم أكثر مما فعل غيرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. علَّمت ألمانيا الغربية العالم كيفية بناء نظام ديمقراطى ناجح بعد أن خضعت لأحد أكثر الدكتاتوريات تجبرا وقسوة وعنصرية فى العصر الحديث. وقدمت درسا فى كيفية بناء نظام رأسمالى أسهم فى ارشاد العالم إلى ما صار يُعرف باقتصاد السوق الاجتماعى. وكانت تجربتها مبهرة فى استيعاب نصفها الشرقى الذى فُصل عنها بعد الحرب الثانية، وفُرض عليه نظام فاشل، وبناء الوحدة الأكثر نجاحا فى عالم اليوم. كما تقدم ألمانيا الموحدة اليوم نموذجا فى التمسك بالقيم الإنسانية التى تضمحل فى عالمنا. وكان فتح حدودها أمام مئات الآلاف من المهاجرين، فى الوقت الذى أغلقت الدول الأوروبية الأخرى أبوابها أمامهم كلياً أو بصورة شبه كاملة، آخر دليل على ذلك.
ولو أن أدولف هتلر بُعث حيا اليوم لهاله كيف حقق الألمان شعاره «ألمانيا فوق الجميع» معتمدين على منهج مناقض لذلك الذى اتبعه، وانتهى إلى كارثة لبلده وللعالم. وها هم الألمان يقدمون درسا جديدا فى علم التخطيط الرياضى، ويفوز منتخبهم الثانى الشاب بكأس القارات الأحد الماضى بعد أن حصد نظيره الأول «المونديال» عام 2014. قرر المدير الفنى للمنتخب الألمانى أن يريح الفريق الأول، ويُجرَّب الفريق الثانى الذى لا يزيد متوسط أعمار لاعبيه على 23 عاما. يريد الألمان إعداد منتخب جديد للمستقبل، رغم أن الفريق الذى حصد «المونديال» الأخير مازال فى الملعب. كان طموح المدير الفنى هو الوصول إلى المباراة قبل النهائية، ولكنه عبرها بسهولة إلى مباراة الحسم التى فاز فيها على منتخب شيلى الأحد الماضى، وقدم درسا جديدا فى علم التخطيط الرياضى هذه المرة.