بقلم د. وحيد عبدالمجيد
يبدو أن تنظيم «القاعدة» بدأ يحقق تقدما فى معركته الثأرية ضد تنظيم «داعش». تعود أصول هذه المعركة إلى انقلاب أبو بكر البغدادى الذى كان قائدا لجماعة تابعة لتنظيم «القاعدة» فى العراق على أيمن الظواهرى والتنظيم التابع له فى سوريا «جبهة النصرة». كان هذا الانقلاب هو أساس المعركة التى يبدو أنها تشهد الآن فصلاً جديداً من فصولها بين «داعش» و«القاعدة» فى عدد من المواقع. فعلى سبيل المثال قام التنظيم التابع لـ «القاعدة» فى مدينة درنة الليبية بالدور الرئيسى فى إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» الذى كان قد سيطر عليها. ورغم مشاركة عدة أطراف فى المعركة الفاصلة التى حُسمت يوم 21 أبريل الماضى بطرد مسلحى تنظيم «داعش» من مدينة درنة، فقد كان الدور الرئيسى فيها لما يسمى «مجلس شورى مجاهدى درنة» المعروف بارتباطه بتنظيم «القاعدة».
وهذا هو ما يصل إليه أى باحث مُدقِّق لا يكتفى برصد البيانات الصادرة عن أطراف مختلفة عبرت كلها عن الابتهاج لهزيمة «داعش» فى درنة، ولكن أيا منها لم يدع أنه هو الذى ألحق به هذه الهزيمة.
ولذلك فبمقدار ما أن طُرد «داعش» من درنة خبر مفرح، يظل نفوذ «مجلس شورى مجاهدى درنة» تهديدا لا يقل خطرا، ومؤشراً على أن إلحاق الهزيمة بالإرهاب مازال بعيد المنال فى غياب نموذج ديمقراطى حديث ينتصر للقيم التى يهددها هذا الإرهاب، وفى مقدمتها الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.وليست هذه هى المرة الأولى التى تنتصر فيها «القاعدة» فى معركتها الثأرية ضد «داعش» فى الشهور الأخيرة. فقد ألحقت حركة «طالبان» المتحالفة مع تنظيم «القاعدة» هزيمة واضحة بتنظيم «داعش» فى أفغانستان وباكستان، الأمر الذى أدى إلى انحسار ما يسمى «ولاية خراسان» التابعة له، وانشقاق عدد غير معروف بعد من عناصر «القاعدة» الذين كانوا قد التحقوا بها فى مرحلة «الهجرة إلى «داعش». ولا يعنى ذلك أن تفوق «القاعدة» مجددا فى الفصول الأخيرة من معركتها ضد «داعش» يعنى أنه دخل طور الأفول. فما حدث فى ليبيا، ومن قبله فى أفغانستان وباكستان، مرتبط بظروف محددة. ولذلك يخطئ المراقبون الذين يتوقعون، بناء على ما حدث فى هذه الحالات، أفولاً سريعاً لتنظيم «داعش» فى سوريا والعراق ما لم يمكن بناء نموذج مدنى ديمقراطى حديث فى أى مكان فى المنطقة.