بقلم د. وحيد عبدالمجيد
يندر أن نجد حدثاً ثقافياً أو فكرياً أو علمياً مستمراً فترة طويلة فى العالم العربى. ولكن المنتدى السنوى الذى تنظمه جريدة «الاتحاد»
الإماراتية فى اليوم الذى صدرت فيه منذ عام 1969 (20 أكتوبر) حافظ على استمراره لمدة 11 عاماً حتى الآن. ولذلك حقق تراكماً معرفياً مشهوداً، وأصبحت الكتب التى تتضمن أعماله على مدى هذه السنوات من أهم المصادر التى يستطيع الباحثون فى القضايا العربية أن يعودوا إليها. وصارت أعماله شاهدة على التطورات الجوهرية التى حدثت فى منطقتنا خلال العقد الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ هذه المنطقة منذ استقلال دولها (2006-2016).
وقد عُقدت الدورة الحادية عشرة لهذا المنتدى قبل أيام تحت عنوان (العرب بعد مائة عام على اتفاق سايكس - بيكو) سعياً إلى استشراف مستقبل هذه المنطقة فى الفترة المقبلة، وليس لاجترار الماضى أو المشاركة فى بكائيات حول المستقبل. ولذلك قال رئيس تحرير زالاتحادس الأستاذ محمد الحمادى فى افتتاح المنتدى إننا نحتاج ونحن فى عام 2016 لأن نتوقف قليلاً لمعرفة ما سيحدث فى منطقتنا. وكان اتفاق سايكس - بيكو منطلقاً لمناقشة صريحة لمنهجية معالجة الأزمات الكبرى فى المنطقة، وما يمكن أن تسفر عنه الصراعات المحتدمة فيها، وأدوار القوى الدولية والإقليمية فيها. وشمل هذا النقاش العلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فى الأوضاع العربية.
كما حظيت قضية الأقليات باهتمام تناسب مع حضورها القوى غير المسبوق فى قلب صراعات تثير جدلاً حول انعكاساتها على عدد من البلاد التى صارت مُقسَّمة فعلياً. وأُثيرت فى هذا السياق مسألة الإدارة الذاتية، وإلى أى مدى يمكن أن يفيد الانتقال من صيغة الدولة الشديدة المركزية إلى دولة فيدرالية فى استعادة وحدة البلاد المقسمة واقعياً. وليس متصوراً أن يناقش مثل هذا المنتدى مستقبل العرب دون طرح قضية العلاقة بين بلادهم، والسؤال عما إذا كان قد بقى أمل فى تطويرها باتجاه تعاون جاد رغم أن الخبرات السلبية غالبة فى هذا المجال.
ولعل أهم ما يُمَّيز مناقشات منتدى «الاتحاد» أن استمراره 11 عاماً يوفر لها فى كل مرة خلفية مستندة إلى ما سبقها، وهذه هى قيمة الاستمرار الذى يحقق التراكم المعرفى.