توقيت القاهرة المحلي 21:14:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل بدأ الارتداد في الصين؟

  مصر اليوم -

هل بدأ الارتداد في الصين

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

 لم يعد المصابون بالتوحد مع السلطة، حكاماً وحاشيات تحيطهم، في حاجة إلى استبدال إمبراطوريات بجمهورياتهم، بخلاف ما فعله نابليون بونابرت في 1814، ثم ابن أخيه لويس بونابرت في 1851، في فرنسا. كان كل منهما صريحاً وواضحاً في إشباع غريزته إلى السلطة من دون تحايل. أصبح أسلوب البونابرتين الأول والثالث قديماً في عالم يسوده الكذب أفعالاً، وليس أخباراً فقط.

لم يجد الرئيس الصيني شي جينبينغ، والحلقة الضيقة التي قَرّبها في السنوات الخمس الماضية، ضرورة لتنصيبه إمبراطوراً. اكتفى بأن يكون زعيماً، إلى جانب كونه رئيساً، مثل ماوتسي تونغ الذي ترك الصين خراباً يباباً.

اقترحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في 25 شباط (فبراير) الماضي إلغاء فقرة في الدستور كانت تنص على أن الرئاسة تُحدد بولايتين متعاقبتين كل منهما خمس سنوات، فضلاً عن إدراج فكر شي (في شأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية) في الدستور، وهو ما لم يحظ بمثله من خلفوا ماو قبله. وصادق البرلمان في الشهر الماضي على اقتراحي اللجنة المركزية. فبدا أن الصين توضع على طريق قد تردها، في شكل جديد، إلى عهد ماو الذي اختزلها في شخصه، وتنهي حقبة تعاقب فيها ستة رؤساء على السلطة.

تبـــارى بعض أعضاء البرلمان في تـــقديم ذرائـــع تــدعم المخاوف من أن الصين قد تكون بــدأت رحلة الارتداد. قيل مثلاً إن التعـــديل الدستوري يعبر عن «الإرادة العامة الملحة للشعب»، ويحمي سلطــــة الحزب وقيادته، ويوائم الرئاسة مع منصب الأمين العام (تولاه شي في نهــــاية 2012 قبل أربعة أشهر على تنصيبه رئيساً). وهذا منصب غير محدد بفترة معينة، وإن كــــان كل من سبقوا الرئيس، الذي بات زعيمـاً بصفات إمبراطورية، اكتفوا بفترتين وفق التقليد الذي أرساه مؤسس النهضة الصينية الراهنة دينغ زياو بينغ.

يخشى معجبون بتجربة الصين في عقودها الأخيرة ارتدادها عن حقبة رائعة في تاريخها، وعودتها إلى حقبة نخرت خلالها سلطة ماو المطلقة في عظامها حتى النخاع. كان ماو حاضراً بقوة في كلمة شي التي ألقاها في 20 آذار (مارس) في ختام اجتماع البرلمان، الذي منحه السلطة المطلقة. وعد باتباع منهج الماركسية اللينينية (أين صارت؟)، وفكر ماوتسي تونغ، إلى جانب نظرية دينغ زياو بينغ، في ما بدا تعبيراً عن اعتقاد بإمكان الجمع بين الإنجاز الاقتصادي والسلطة المطلقة التي كانت قائمة قبل تحقيقه.

استخدم شي أيضاً بعض التعبيرات الماوية مثل المسيرة الكبرى. فعندما رسم ملامح المستقبل، ذكّر بالكفاح الذي خاضه الحزب الشيوعي تحت قيادة ماو، وتحدث عن مسيرة كبرى جديدة قال إنها تقود إلى تحديث البلاد. وتضمن حديثه يومذاك شيئاً من عنف لفظي ضد الأعداء لم يكن معتاداً في الخطاب الرسمي، منذ عهد ماو. فقد تحدث عن «معارك دامية خاضتها الصين»، وأشاد باستبسال الصينيين في خوض هذه المعارك.

وهكذا يبدو أن شي يعيد إنتاج السلطة الماوية المطلقة التي كان والده شي تشونغ شون ضحية لها خلال حملة تطهير في 1962، على رغم أنه كان أحد «أبطال الثورة»، وعمل نائباً لرئيس الوزراء، ثم زج به في السجن بسبب رأي أبداه في رواية اتُهمت بأنها تُسيء إلى الحزب. ولم يعُد إليه الاعتبار إلا في بداية الحقبة التي يبدو أن الصين قد ترتد عنها.

ولكن هل كان في الصين ديموقراطية لكــي يرتد شي عنها؟ بعض السائلين، وربما كثيرون منهم، يعرفون أن هناك مساحة بين الديموقراطية والديكتاتورية الكاملتين، وأن الصين تحركت خطوة مهمة في هذه المساحة في ظل تقليد القيادة الجماعية والخلافة المنظمة، وحققت إنجازاً اقتصادياً واجتماعياً مهولاً منذ أن بدأت ذلك التحرك ابتعاداً عن السلطة المطلقة الشاملة.

يرى من لا يجدون في احتمال ارتداد الصين خطراً عليها أن شعبها بات مستعداً للعيش تحت ظل إمبراطور جديد لمواجهة التهديدات. ولكن الصين جربت هذا النوع من العيش وفشلت، ولم تنجح إلا بتعديله. كما أن الحديث عن رغبة الصينيين في سلطة مطلقة جديدة من أجل مواجهة الغرب لا يبدو واقعياً، وهم الذين لم تعد لديهم عقدة نقص تجاه الآخر، وخاصة في لحظة تصرخ الولايات المتحدة من آلام العجز التجاري، وتحلم بخفضه من دون أن تستطيع، فتلوّح بحرب تجارية ستكون الخاسر الأول فيها.

لا يحتاج الصينيون إلى حكم مطلق جديد بات ممكناً، بعد أن نجح شي في ترويض مراكز القوة الحزبية والعسكرية والبيروقراطية، ووضع مقربين منه في مناصب رفيعة، واستخدم حملة أطلقها ضد الفساد لتعزيز سلطته خلال ولايته الأولى، على نحو جعل المكتب السياسي، الذي كانت لجنته تشكل قيادة جماعية، أقرب إلى هيئة صورية.

والسؤال المحوري المثار الآن هو عن إمكان المحافظة على النجاح الاقتصادي، الذي أدى إلى تحسين حياة ملايين الفقراء، ومن ثم توسيع نطاق الطبقة الوسطى، في حال تأكد حدوث الارتداد السياسي. ربما تحتاج الصين في هذه الحال إلى معجزة من النوع الذي يصعب تحقيقه، وليس من الصنف الذي حققته في العقود الأربعة الأخيرة، لتجنب أثرين سلبيين محتملين له. أولهما إضعاف القدرة على استمرار قوة الدفع التي بدأت باتجاه زيادة إسهام الصين في إنتاج تكنولوجيات جديدة تتطلب فتح مجالات أوسع أمام الإبداع والابتكار وتوسيع المجال العام على نحو يتعارض مع العودة إلى عبادة الشخص.

أما الأثر المحتمل الثاني فهو الإحباط الذي قد يصيب قطاعات من الطبقة الوسطى يراودها عادة طموح إلى المشاركة في رسم مستقبل البلاد عندما تُشبع حاجتها المعيشية. ففي الوقت الذي كانت هذه الطبقة تتطلع إلى إزالة العوائق المترتبة على نظام أحادي، وفتح المساحات المغلقة في المجال العام، إذا بها تفاجأ بأن الجزء الذي كان مفتوحاً فيه يُغلق، وبأنها ستصبح رهينة لدى سلطة مطلقة عرف مثلها قليلون من الصينيين- الذين يعيشون اليوم- في بواكير حياتهم، ويعلمون مدى صعوبة الحياة في ظلها.

نقلاً عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل بدأ الارتداد في الصين هل بدأ الارتداد في الصين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon