بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لم تهنأ شركة «أبل» طويلاً بالإعجاب الذي حظيت به عندما رفضت طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي «إف. بي. آي» فك شفرة هاتف «آي فون» كان سيد فاروق منفذ عملية سان برناردينو الإرهابية في ديسمبر الماضي قد استخدمه. صمدت الشركة في مواجهة الضغوط التي مارسها جهاز الأمن الأمريكي عليها، رغم أن موقف «إف. بي. آي» كان قوياً في هذه الحالة بصفة خاصة، لأنها تتعلق بالإرهاب وما يمثله من خطر علي الجميع، كما انتصر القضاء الأمريكي فعليا للشركة عندما لجأ «إف. بي. آي» إليه، عندما أصدر حكماً لا يلزم بفك الشفرة.
وبدا أن شركة «أبل» في طريقها إلي مزيد من التوسع، لأن ذلك النزاع أتاح لها توجيه رسالة قوية مفادها أن أجهزة «آي فون» مستعصية علي الاختراق، وأن الشركة التي تنتجها مستعصية علي الإخضاع, وان أجهزتها تحقق بالتالي أمناً كاملاً للمعلومات.
ولكن الأمن الكامل لا وجود له في الحياة، سواء في مجال المعلومات أو غيرها. ولذلك لم تمض أسابيع قليلة حتي تحول الانتصار الذي بدا أن شركة أبل حققته إلي نكسة كبيرة عندما تبين أن في الامكان فك شفرة جهاز «آي فون».
فقد أغري النزاع الذي حدث شخصاً ما لم تُعلن هويته بعد علي السعي إلي تطوير برنامج لفك شفرة جهاز «الآي فون 5», ونجح بالفعل في محاولته التي اعتمدت علي تفكيك نظام تشغيل هذا الجهاز، وفق البيان الذي أصدره مسئول في «إف. بي. آي»0 وجاء فيه أن شخصاً اتصل بالجهاز وأبلغه أنه توصل إلي حل وعرض تقديمه في مقابل مبلغ من المال.
ويبدو أن شركة «أبل» التي اتخذت موقفاً صحيحاً في كل الأحوال وينسجم مع مبدأ الخصوصية، نسيت أننا في عصر يتيح لأي شخص يمتلك المعرفة والموهبة والعزيمة أن يحقق اختراقاً في الاقتصاد العالمي وليس فقط لشفرة جهاز اليكتروني. فهذا هو عصر الإبداع الشخصي بامتياز، حيث لا يحتاج أي شخص للالتحاق بشركة كبري لكي يقوم بعمل كبير يفرض علي شركات عملاقة تحديات كبري.
ولا يقتصر ذلك علي شركات الاتصالات. فهذا هو حال الاقتصاد الجديد الرقمي في مختلف مجالاته التي تزداد المسافة بيننا في مصر، وبين العالم الذي يعرفها ويقدَّر لأهميتها، علي نحو يُهدَّد بمزيد من تهميشنا وتفاقم أزماتنا.