بقلم د. وحيد عبدالمجيد
لا يدرك من يُسيئون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وينشرون عبرها أدق تفاصيل حياتهم الشخصية، أنهم يُدَّمرون أحد أهم ما ينبغى أن يحافظ عليه الإنسان، وهو الخصوصية أو المجال الخاص.
فقد أصبحت «السوشيال ميديا» مقصداً لأعداد متزايدة ممن يعانون فراغاً، ولا يجدون شيئاً نافعاً يفعلونه، وآخرين وأخريات من الذين يجعلونها منابر لتصفية حسابات شخصية.
لا يخجل شخص رفضت فتاة الاستمرار فى علاقة معه عندما يفضح نفسه عبر هذا الموقع أو ذاك، وهو يظن أنه ينتقم منها. ولا تستحى فتاة من أن تكشف معلومات عن شخص أنهى علاقة معها، فتجعل نفسها مضغة فى أفواه من لا شغل لهم ولا شاغل. وما أكثرهم فى الوقت الراهن.
ولا يعرف من يستخدمون موقعاً مثل «إنستجرام» لنشر صور غريبة لهم أنه لم يُبتكر لمثل هذا التهافت، الذى وصل إلى حد أن ينشر البعض صورهم فى المنزل وكل مكان يذهبون إليه منذ أن يستيقظوا صباحاً أو ظهراً.
وتنطوى هذه الظاهرة الآخذة فى التوسع على مرضين خطيرين فى آن معاً هما التفريط فى الدور الذى ينبغى أن يضطلع به كل إنسان فى المجال العام خدمة للناس والوطن، والإفراط فى التخلى عن المجال الخاص الذى يجب أن يحافظ المرء عليه.
وفى ظل هذا الاختلال فى العلاقة بكل من المجال العام والحيز الخاص، تنهار قيمة الخصوصية التى تُعَّد أحد أهم قيم الحداثة، فضلاً عن كونها أحد أبرز المؤشرات التى تُستخدم فى قياس اقتراب المجتمع من العصر الحديث أو ابتعاده عنه. ويظن كثير منا أن الحديث عن الخصوصية وغيرها من قيم الحداثة وأنماط حياتها إنما هو نوع من الترف منبت الصلة بأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. ولكن الثقافة السائدة فى المجتمع تؤثر بمقدار يختلف من حالة إلى أخرى فى أوضاعنا الاقتصادية والسياسية. فكلما ازداد الوقت الذى يمضيه المرء فى سفاسف الأمور على النحو الذى يظهر فى مواقع التواصل الاجتماعي، كان هذا مؤشراً على انصراف أعداد متزايدة عن العمل العام وتضاؤل اهتمامهم به، وانغماسهم فى تدمير أنفسهم عبر التخلى عن المجال الخاص وتحويله إلى مساحة تُمثَّل بديلاً مشوهاً وضاراً عن المجال العام.