بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
شكوى مستمرة من زيادة معدلات الإنجاب. تتكرر هذه الشكوى منذ أكثر من نصف قرن. كثيرة هى الحملات الدعائية والإعلامية التى نُظمت تحت شعار التوعية بأخطار إنجاب عدد كبير من الأطفال0 ولا تقل عنها اللجان والهيئات والمجالس التى شُكلت لهذا الغرض.
ولكن مقارنة أوضاعنا بأحوال غيرنا فى العالم تفيد أن معدلات الإنجاب ترتبط بظروف المجتمع وأنماط حياته وثقافته أكثر من أى شيء آخر. وتمثل البلدان التى تقل فيها معدلات الإنجاب، وتؤدى إلى انخفاض مطرد فى أعداد السكان على نحو يدفع إلى القلق، دليلاً يُعتد به على ذلك. ففى بعض هذه البلدان تبذل جهود من أجل زيادة معدلات الإنجاب، ولكن بلا جدوى لأن نمط الحياة وما يرتبط به من ثقافة مجتمعية غالبة يؤدى إما إلى ضعف الإقبال على تكوين أسرة، أو قلة عدد الأطفال الذين يتم إنجابهم بشكل مطرد من جيل إلى آخر.
وقد خلصت دراسة حول هذه القضية فى اليابان إلى أن تراجع عدد المواليد ليس قابلاً للتغير بسرعة رغم القلق المتزايد من أن يؤدى ذلك إلى انخفاض عدد السكان من 127 مليون نسمة إلى أقل من مائة مليون خلال ثلاثين عاماً. وإذا عرفنا السبب الأساسى وراء تراجع معدلات الإنجاب فى اليابان، يمكن أن نعرف أو نتأكد من السبب الرئيسى لزيادتها فى مصر. فقد ثبت أن قوة ثقافة العمل فى اليابان تؤدى إلى استئثاره بساعات طويلة على حساب الحياة الاجتماعية، الأمر الذى يؤدى إلى تراجع معدلات الزواج وخصوصاً بعد أن أصبحت سوق العمل تستوعب الوافدين اليها سواء من الشباب أو الشابات. وبخلاف الحال فى اليابان، يفتقر المجتمع المصرى إلى ثقافة العمل ليس، لأنه كسول ولكن بسبب قلة فرص العمل وغياب المعايير الموضوعية التى تحفز على الارتباط به، والفجوة الكبيرة بين معدلات دخل نسبة معتبرة من العاملين ومتطلبات الحياة. ولذا يلجأ عدد كبير من الأسر الأكثر فقراً إلى إنجاب أعداد أكبر من الأطفال لتشغيلهم فى أعمال دنيا وتحويلهم إلى مصدر دخل. ويعنى ذلك أن إصلاح الاختلالات فى سوق العمل، وفى السياسة الاقتصادية، يؤدى إلى خفض معدلات الإنجاب تلقائياً بدون حاجة إلى حملات ومهرجانات إلا فيما قل أو ندر.