بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
عندما هُزم مقاتلو المعارضة السورية فى 2016، نزح عشرات الآلاف من سكان شرق حلب، وتوجه معظمهم إلى محافظة إدلب. كان بين من غادروها أطفال فى أعمارٍ مختلفة. فقد بعضهم أبًا أو أمًا أو أخًا أو هؤلاء كلهم وغيرهم. فزع وبكى كثيرُ منهم بطبيعة الحال. ولكن كان بينهم صبية لم يصرفهم الحزن والألم عن تفكيرٍ فى الانتقام. فى موقع «يوتيوب» فيديوهات يظهر فيها بعض هؤلاء. وفى أحدها صبى صغير يقول نصًا «نحنا خارجين .. بس نصير كبار نرجع على حلب .. أنا وأخواتى وكلياتنا». كان أحدهم يحلم بأن يصبح مهندسًا أو محاميًا، ولكن ما حدث له ولأهله غيَّر مسار حياته تمامًا، فصار واحدًا من مقاتلى إحدى فصائل المعارضة التى شاركت فى عملية الهجوم على حلب, فى بداية المعركة التى أوصلتهم بعد ثمانية أيام إلى دمشق. فالصبية الذين كانت أعمارهم بين 12 و18 عامًا باتوا الآن شبابًا، وشارك بعضهم فى المعركة التى أدت إلى التغيير فى سوريا.
ونجد فى قطاع غزة الآن عشرات الآلاف من الأطفال الذين تشتعل النار فى قلب كلٍ منهم، ويحلم بأن يأتى اليوم الذى يثأر فيه لأهله وأصحابه، ولشعبه الفلسطينى بوجه عام. ولكن ما يشعرون به يفوق أقرانهم فى حلب أضعافًا. صحيح أن بعض مناطق شرق حلب دُمرت، ولكن لم تكن هناك إبادة أو استهداف مدنيين بخلاف ما يحدث فى قطاع غزة. أما الفرق الأهم, وهو أن ما حدث فى سوريا معركة داخلية, يقّلل منه تدخل روسيا وحلفاء إيران عسكريًا لحسم المعركة فى أكتوبر 2016. ويعنى هذا أن معركة سوريا فى تلك الفترة لم تكن محض داخلية.
وإذ كانت مشاركة أطفال سوريين كبروا فى المعركة الأخيرة نتيجة معاناةِ عاشوها، فما بالنا بما سيفعله أطفال غزة حين يشبون عن الطوق. وإذا كان أطفال سوريا الذين تحولوا إلى مقاتلين يُعدون بالآلاف، ففى قطاع غزة عشرات الآلاف سيلتحقون بصفوف المقاومة فى فصائلها المختلفة. وهذا بعض ما ينبغى ألَّا نغفله حين نشاهد مأساة أطفال غزة ويعتصرنا الألم لمعاناتهم التى لا توصف.