بقلم د. وحيد عبدالمجيد
جفت أقلام العقلانيين فى مصر والعالم العربي، وبُحت أصواتهم، وهم يُنبَّهون إلى أن احتراف التفسير التآمرى لتدهور أوضاعنا لا يؤدى إلا إلى مزيد من المشاكل والأزمات. فالنتيجة الوحيدة الملموسة لهذا النوع من التفكير هى إغفال الأسباب الحقيقية لمشاكلنا، وتجاهل العوامل المؤدية إلى فشلنا فى حلها، مادامت شماعة المؤامرات الخارجية جاهزة لنُعًّلق عليها ما ينبغى أن نخضعه للبحث والتفكير.
وعندما يصل بنا الأمر إلى حد أن نرى مؤامرة وراء كل شجرة، يتعذر فهم ما يحدث لنا، واستخلاص الدروس من تجاربنا واستيعابها حتى لا نكرر الأخطاء التى نرتكبها. وهذا هو ما يترتب على التفكير التآمرى بسماته الخرافية والأسطورية.
ولذلك يتعين على من تحدثوا فى الأسابيع الماضية عن مؤامرات أجنبية تستهدف صادراتنا الزراعية أن يقرأوا جيداً ما نشرته صحيفة «الأهرام التعاوني» فى عددها الأخير الصادر فى 25 أكتوبر الحالى، وخصوصاً ما كتبه الزميل محمد غانم عن المصالح غير المشروعة التى تؤدى إلى إضعاف قدرتنا على التصدير.
فهو يشرح أبعاد ما يسميه الحرب على صادرات البطاطس المصرية التى صارت لها أسواق عالمية, وكيف أنها حرب داخلية يشنها (المنتفعون ومعدومو الشرف وأصحاب الأجندات الخاصة ورجال البيزنس داخل وزارة الزراعة)، ويوضح كيف أن مافيا (وهذا التعبير من عندي) استيراد تقاوى البطاطس المصابة بفطر القشرة الفضية تملك نفوذاً قوياً فى وزارة الزراعة أتاح لها التأثير فى القرار الوزارى رقم 1669 لسنة 2016 الذى يحدد شروط استيراد هذه التقاوي. وأدى ذلك إلى استبعاد الفطر المذكور منه، الأمر الذى يرى غانم أنه يؤدى إلى كارثة محققة على صادراتنا الزراعية.
وواضح فى هذه الحالة، التى نجد مثلها الكثير فى مختلف المجالات، أننا نفعل فى أنفسنا ما لا يستطيع أعتى أعدائنا أن يفعله فينا. ولذلك كانت الاختلالات الداخلية طول الوقت هى العامل الرئيسى وراء الأزمات التى تلاحقنا. وليست مشكلة تصدير البطاطس إلا واحدة من مشاكل كثيرة وخطيرة فى القطاع الزراعى لا تكف «الأهرام التعاوني» عن التنبيه إليها.
ولا سبيل إلى معالجة هذه المشاكل بدون مواجهة أسبابها الفعلية فى الداخل، والكف عن البحث عن مؤامرات وراءها فى الخارج الذى تستفيد بعض القوى فيه من سوء أدائنا.