بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
يستغرب كثيرون فى المجتمعات التى تنخفض فيها الذائقة الفنية، وتضمحل المعرفة بالفنون، تخصيص يوم عالمى لموسيقى الجاز. والأكثر دهشة هم من يُعتبرون هذه الموسيقى نوعا من الصخب الذى يُسَّبب الصداع. لا يعرفون أن العالم يحتفل بهذه الموسيقى فى 30 أبريل من كل عام يوما للاحتفال بموسيقى الجاز.
ومجتمعنا أحد المجتمعات التى تنتشر فيها نظرة سلبية إلى موسيقى الجاز رغم أن جذورها الثقافية إفريقية، وليست غربية أو أمريكية، بخلاف ما يتخيله الذين ينفرون حتى من اسمها. كما أن إرهاصاتها الأولى ارتبطت بالمعركة ضد نظام العبودية فى الولايات المتحدة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر.
كان السود ذوو الأصول الأفريقية يحتفلون بتحررهم بوسائل عدة بينها عزف ألحان توارثوها عبر الأجيال باستخدام طبول ضخمة صنعوها. واختلطت تلك الألحان بأخرى سمعوها فى الكنائس، مثلما امتزجت بموسيقى أوروبية، مما أدى إلى اكتسابها طابعا هارمونيا بعد أن كانت معتمدة على خط واحد. ومع حلول مطلع القرن العشرين، انتشرت موسيقى الجاز فى الولايات المتحدة، وكثرت الفرق التى تعزفها، وتمكن شبان بيض من إجادتها وتطوير أشكال جديدة منها، بعد أن كان السود هم روادها بفعل الروح الإفريقية التى ظلت غالبة فيها لعدة عقود0
وانتقلت موسيقى الجاز من الشارع إلى قاعات الفنادق والملاهي، ثم المناسبات الفنية فى الجامعات والمدارس، وصولا إلى معاهد الموسيقي، وصارت فنا رفيع المستوي، وتنوعت أشكالها وأخذت فى الانتشار على المستوى العالمي، ووصلت إلى العالم العربي، وامتزجت فيه بأنواع من الموسيقى الشرقية. وبسبب طابعها العالمى هذا، من الطبيعى أن يُقام عدد كبير من الحفلات اليوم للاحتفاء بها فى كثير من بلدان العالم. ولكن الاحتفاء الرسمى الذى تنظمه الامم المتحدة سيكون مساء اليوم فى سانت بطرسبورج بروسيا، حيث يتم اختيار مدينة لهذا الغرض كل عام، وتقام بها حفلة كبري. وتضم حفلة اليوم مجموعة من ألمع فنانى الجاز فى العالم بينهم عربى واحد فقط للأسف هو حسن حاكمون من المغرب، إلى جانب عمالقة هذه الموسيقى فى دول عدة. غير أن هذا ليس احتفاء بموسيقى جميلة فقط، بل بفن أسهم فى معركة التحرر من العبودية، ثم فى النضال ضد التمييز العنصرى فى أمريكا وحول العالم.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع