بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
مؤلم حقاً أن يُحرم أطفال وطفلات من الحق فى حياة طبيعية وفق مقتضيات المرحلة العمرية التى تمتد حتى سن الثامنة عشرة. ولذا يبدو التحرك من أجل خفض السن القانونية لزواج الفتيات من 18 إلى 16 عاماً ظلماً لكل طفلة يتم تزويجها قبل أن تتجاوز مرحلة الطفولة، وتنضج عقلياً ونفسياً.
ومفهومة تماماً دوافع انتقاد هذا التحرك, ولكن نظرياً فقط بكل أسف، بسبب معطيات الواقع الاجتماعى. يزخر هذا الواقع بحالات تزويج فتيات أقل من 18 عاماً، وأصغر من 16 عاماً أيضاً، طول الوقت فى كثير من المناطق لسببين. أولهما الفقر المتزايد الذى يدفع آباء إلى تزويج بناتهن عند أول فرصة إما للتخلص من أعباء الإنفاق، أو طمعاً فى الحصول على مبلغ كبير يُدفع فى صورة مهر. أما السبب الثانى فهو التقاليد الاجتماعية المتخلفة التى تشجع تزويج الفتيات صغيرات بدعوى «الستر»، أو اعتقاداً فى أن القانون الذى يمنع زواجهن قبل سن الثامنة عشرة متعارض مع الشريعة، وفق ما يسمعونه من أشخاص يحترفون تحريم الحلال، وتحليل الحرام.
وتستعصى الفتيات اللاتى يتم تزويجهن قبل السن القانونية كل عام على أى حصر يبدو مستحيلاً فى ظل تعدد الأساليب المتبعة فى التحايل على القانون. ومن هذه الأساليب تزييف سن الفتاة عبر إجراء يطلق عليه «تسنين»، الأمر الذى يجعل زواجها قانونيا وموثقاً. ولكن أكثر الفتيات يتم تزويجهن دون توثيق قانونى. ورغم أن الاتفاق مع الزوج على إجراء التوثيق عندما تكمل الزوجة السن القانونية أمر شائع، لا يتسنى حدوث ذلك فى كل الأحوال، وخاصة فى حالة تزويج الفتاة لزوج غير مصرى يأخذها إلى بلده، وقد يطلقها فتعود دون وجود ما يثبت أنها تزوجت. كما أن التوثيق اللاحق للزواج ينتج مشكلة كامنة قد تظهر بعد وقت، وهى أن الزوجة المؤجل توثيق عقد زواجها قد تنجب قبل أن يحدث هذا التوثق، فيبدو عند تدقيق التواريخ كأنها أنجبت دون زواج أو قبله.
وليس هذا إلا بعض ما يفيض به الواقع من أوضاع تجعل خفض سن زواج الفتيات نتيجة مؤلمة لواقع اجتماعى أخفقت جهود تحديثه وتطويره على مدى عقود طويلة.