بقلم د. وحيد عبدالمجيد
عندما قام البرلمان ــ الذى نحتفل بمرور 150 عاماً على انتخابه ــ بالدور الأكبر فى إقالة نظارة نوبار فى فبراير 1879 وفق ما ورد فى «اجتهادات» الأمس، بدأ الخديو إسماعيل يحاول تقليص دوره.
ولما وجد صعوبة فى ذلك، كلف رياض باشا وزير الداخلية بالتوجه إلى المجلس حاملاً الأمر العالى بحله فى 27 مارس 1979، فقوبل بما لم يخطر على باله.
فما أن أعطاه أحمد رشيد رئيس المجلس الكلمة، وبدأ بشكر النواَّب لما قاموا به من أعمال، حتى وجه بعاصفة بدأها عبد السلام المويلحى قائلاً إنه لا معنى لهذا الشكر، لأن المجلس لم يقم بعمله وتريدون منعه من القيام به (لو فرضنا المستحيل وانفض).
بدا رياض باشا غير مستوعب كيف يكون فض المجلس مستحيلاً (بعد أمر خديوينا العظيم)، وسأل المويلحى بلهجة لا تخلو من تهديد عما إذا كان يدرك معنى ما يقوله. ففوجئ برد المويلحى الذى أكد له أنه يتحمل مسئولية موقفه.
وانبرى عدد كبير من النواب على التوالى لتأكيد أنهم يوافقون المويلحى. بدأ محمود العطار، وتلاه عثمان غزالى، ثم عبدالشهيد بطرس، وغيرهم. وعندئذ بدأ رياض باشا يفقد أعصابه، قائلاً لهم انهم جميعاً عصاة، الأمر الذى أدى إلى احتدام النقاش وتدخل إبراهيم الوكيل معتبراً أن ما قاله رياض باشا من العجائب، وقال متحديا: (خلوا زكايب الهم مقفولة).
وفى هذه اللحظة تجاوز رياض باشا حين تهكم على النواب لأنهم بعمائمهم وجلابيبهم - على حد قوله ــ يُقَّلدون نواب أوروبا وأمريكا. فثار النواب، وقال له أحمد العويس إنك شتمت نواب أمتك التى تعطيك أنت وغيرك مرتباتكم الشهرية، وطلب عبد الشهيد بطرس اثبات الإهانة فى محضر الجلسة، واعتبرها أحمد العوناتى وقاحة لا يقبلها المجلس بل يردها إلى قائلها.
وعندما طلب المويلحى استمرار الجلسة منعقدة ليل نهار، وافق الأعضاء بالإجماع واتفقوا على التناوب، اضطر الخديو إلى التراجع بل قبل توسيع صلاحيات المجلس واعتباره جمعية تأسيسية للدستور، وكلف محمد شريف بتشكيل نظارة خالية من الوزيرين الإنجليزى والفرنسى.
ويمكن لمن يريد المزيد عن هذا المجلس العودة إلى محاضر اجتماعاته فى الكتاب الذى أصدرته دار الكتب والوثائق القومية عنه منذ سنوات.