بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
عندما كتب المفكر والسياسى الفرنسى إليكس دى توكفيل كتابه المشهور «الديمقراطية فى أمريكا» فى ثلاثينيات القرن الماضى، لم يحل إعجابه بهذه الديمقراطية دون التحذير من إمكان تحولها إلى ديكتاتورية أو طغيان. فقد أدرك أن الطغيان «الديمقراطى» يظهر حين تُسئ الأغلبية استخدام السلطة.
وسبقه إلى التحذير من ديكتاتورية الأغلبية بعض الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، خاصة جون أدامز الذى صك مصطلح استبداد الأغلبية. واستُخدم هذا المصطلح بعد ذلك كثيرًا فى كتابات سياسية وأكاديمية على حد سواء. فقد رأى المفكر الإنجليزى المحافظ إدموند بيرك مثلاً أن استبداد الأغلبية يكون مضاعفًا. وكان الفيلسوف الإنجليزى جون ستيوارت ميل الأكثر اهتمامًا بتحليل ديكتاتورية الأغلبية فى كتابه «عن الحرية» الصادر عام 1859.
وعرفت الولايات المتحدة فعلا ديكتاتورية الأغلبية فى فترات حصل فيها أحد الحزبين على البيت الأبيض ومجلسي الكونجرس. غير أن أخطار الديكتاتورية التى ستنتُج من سيطرة الحزب الجمهورى على الرئاسة والمجلسين تبدو أكبر من أي مرة سابقة لسببين. أولهما اقتران ديكتاتورية الأغلبية هذه المرة بحالة شعبوية تتضاءل فى ظلها قيمة الديمقراطية. أما السبب الثانى فهو أن أغلبية قضاة المحكمة العليا محافظون يضعون أحيانًا القيم التى يؤمنون بها فوق الإجراءات الديمقراطية، الأمر الذى يجوز معه القول إن السلطة باتت مركزةً فى حزب واحد مختزل فى شخص. سيكون فى إمكان الرئيس المنتخب تمرير أى تشريع أو قرار يريده فى مجلسي الكونجرس، باستثناء ما يتطلب وجود أغلبية خاصة (60 مقعدًا فى مجلس الشيوخ) لا يملكها.
ولن يكون هذا جديدًا فى أمريكا، ليس لأنها عرفت ديكتاتورية الأغلبية من قبل فقط، ولكن لأن التوافق بين الحزبين بشأن بعض القضايا خلق حالةً ديكتاتورية فى بعض الحالات، كما رأينا فى عدم اعتراض الأغلبية الجمهورية فى مجلس النواب الحالى على مخالفة بايدن الدستور عندما تجاهل الكونجرس فى قرار إرسال مساعدات عسكرية إلى الكيان الإسرائيلى.
ولو قُدر لأليكس توكفيل أن يبقى حيًا لكتب عن تحقُق ما توقعه وحذر منه، وربما فكر فى نشر كتاب تحت عنوان «الديكتاتورية فى أمريكا».