بقلم د. وحيد عبدالمجيد
ممتعة للغاية ذكريات الفنان الكبير جورج البهجورى التى أصدرتها «دار الثقافة الجديدة» تحت عنوان «ذكريات الجوافة رسم على رسم». استمد هذا العنوان من أشجار الجوافة فى حديقة العمة بقرية بهجورة خلال فترة طفولته التعيسة جداً كما وصفها.
ولكن أكثر الذكريات إمتاعاً يبدأ بعد هذه الفترة منذ أن ظهرت موهبته الفذة فى الرسم الكاريكاتورى، وخاصة رسم الوجوه، والتحاقه بعالم الصحافة حيث قاده حظ حسن إلى المجلة العربية الأولى فى هذا الفن على مدى عقود طويلة (روزاليوسف) قبل أن يصيبها التجريف الذى ضرب قوة مصر الناعمة فى العقود الأخيرة.
يروى قصة أول أزمة ترتبت على الغلاف الثالث الذى رسمه للمجلة، وهو لم يزل طالباً فى كلية الفنون الجميلة، عندما غضب صلاح سالم لأنه رسمه صغيراً بجوار عبد الناصر. لم يكن البهجورى يدرك بالطبع أن هذا الكاريكاتور يحمل نبوءة لم تمض سنوات قليلة حتى تحققت، حين أصبح زملاء عبد الناصر فى مجلس قيادة الثورة أقزاماً بجواره فى نظام حكم أحادى لا مكان فيه لغيره.
وفى هذه الذكريات روايات عن كثير من المثقفين المصريين تضيف إلى معرفتنا بعض ما لم يسجله التاريخ بعد عن تلك المرحلة. ولكن أطرفها ما رواه عن المصادفة التى أتاحت له حضور جلسة فى بداية انعقاد مجلس الأمة عام 1957. فقد اضطر المحرر الذى يغطى الجلسة لأن يصحبه معه عندما لم يجد مُصَّوراً.
كتب هذا الجزء بطريقة روائية شيقة وصف فيها تفاصيل المشهد وكيف كانت ردود أفعال من رسمهم فى المجلس مفاجئة له. ومن أطرف ما رواه قصة الكاريكاتور الذى رسمه لليثى عبد الناصر شقيق الزعيم الراحل، والذى وصفه بأنه (كان عملاقاً كأخيه الرئيس إلا أن تعبير الوجه به كثير من القسوة). وانعكست هذه النظرة بالطبع على الرسم الذى ألقاه الليثى فى سلة المهملات. ولنقرأ كيف سجل البهجورى تلك اللقطة: (انكمشت الورقة فى يده وسط أصابعه الضخمة كما فتات خبز جاف حتى لم أعد أراها تماماً، وتوجه ذراعه الذى يحمل الكرمشة الورقية الفنية الكاريكاتورية ناحية سلة المهملات، ثم أرخى أصابعه الغليظة، وقال وهو يظن أنها مداعبة أو نكتة : لقد حكمنا عليها بالإعدام).