بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يحدث فى بعض الأحيان أن يصف أحدنا الآخر بأنه «غير طبيعى» حين يبدو له أنه يقول أشياء غريبة أو يأتى بأفعال عجيبة. ويعنى ذلك اختزال فكرة الإنسان الطبيعى، وغير الطبيعى، فى مدى رضاء شخص آخر عنه.
وتحمل عبارة إنسان غير طبيعى فى هذا السياق دلالة سلبية، ولكنها منبتة الصلة بالخلفية الفلسفية لمسألة الطبيعة وعلاقة الإنسان بها عبر التاريخ. فالاتجاه السائد فى الفكر الإنسانى منذ مطلع العصر الحديث يرى أن حياة الطبيعة التى عاشها الإنسان الأول كانت موحشة قاسية قائمة على صراعات دموية يفتك فيها الأقوى بالأضعف منه.
ولأن أحداً لا يستطيع معرفة كيف كانت الحياة فى تلك المرحلة البعيدة، فقد انتشر هذا الاعتقاد منذ أن تبناه معظم فلاسفة العقد الاجتماعى الذين بنوا نظرياتهم على أن قسوة تلك الحياة فرضت أن تتفق مجموعات من البشر على تنظيم حياتهم فى صورة مجتمعات تحكمها سلطات تنازلوا لها عن بعض حرياتهم (أو كلها فى بعض النظريات) مقابل توفير المقومات اللازمة لحياة آمنة ومنظمة.
وبهذا المعنى يكون الإنسان الطبيعى هو البدائى المتخلف الذى عاش حياة الغابة وتصرف كما الحيوانات. ولكن هذه النظرة بدأت فى التغير على استحياء منذ أن خالفها الفيلسوف الفرنسى الرائع جان جاك روسو (1712 ــ 1778)، على أساس عدم وجود دليل يؤكدها، وقدم تصوراً مضاداً لا دليل عليه بدوره وهو أن الإنسان الذى عاش حياة الطبيعة الأولى كان مسالماً وحراً على فطرته.
ومن أهم إسهامات روسو فى هذا المجال كتابه العميق «أصول التفاوت بين البشر، وجذوره» الذى أحدث جدلاً واسعاً عند إصداره عام 1754، وقدم فيه أول تفسير طبقى لتأسيس المجتمع.
وظلت نظرية روسو هذه محدودة الانتشار إلى أن بُدئ فى تطويرها فى دراسات عدة فى الأعوام الأخيرة، انطلاقاً من مراجعة النظرة السلبية الشائعة لحياة الإنسان القديم, وتقديم افتراض مضاد مفاده أن البشر لم يكونوا مسالمين وأحراراً فى تاريخهم كلهم إلا فى تلك المرحلة التى عاشوا فيها حياة الطبيعة على سجيتهم دون صراعات لعدم وجود مصالح يتقاتلون عليها، وخاصة فى المراحل التى أتاحت لهم الطبيعة فيها (وكانوا أعداداً قليلة) أن يعيشوا على ما تنبته قبل أن يكتشفوا النار وتدخل حياتهم مرحلة أخرى.