بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ما أكثرها تصريحات وزراء ومسئولين كبار عن الجهود المبذولة لوضع حد لارتفاع الأسعار. لكن تحليل البيانات الدقيقة التى يصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يفيد أن الأسعار صارت منفلتة من العوامل الاقتصادية والمالية التى يفترض أنها تؤثر فيها، الأمر الذى جعل من الصعب تفسير ارتفاع بعضها اعتماداً على تفاعلات السوق.
وما يتعذر تفسيره بطريقة موضوعية يصعب تصور كيفية حله اعتماداً على أساليب منهجية. ولذا نجد أن الكثير من التصريحات الرسمية فى هذا المجال تتضمن اتهامات للتجار بأنهم وراء ارتفاع الأسعار، مع مناشدتهم أحياناً للتوقف عن ذلك عبر خطاب أخلاقى وليس اقتصادياً0
وبالرغم من الجهود الملموسة التى يبذلها كثير من المسئولين، يذهب الكثير منها أدراج الرياح لأنها ترتبط بسياسات نمطية تنهل من الصندوق القديم الذى تعودت عليه البيروقراطية المصرية. ومن أهم ما تقادم فى هذا الصندوق سياسة الأسعار المزدوجة أو المتعددة، أى قيام مؤسسات حكومية بضخ سلع غذائية بأسعار مخفضة. وتعتمد السياسات الحديثة فى هذا المجال على القطاع الخاص والمجتمع المدنى عن طريق تحميل الغرف التجارية والصناعة مسئولياتها فى إيجاد آليات منتظمة للحوار مع أعضائها بشأن العوامل المؤثرة فى ارتفاع الأسعار، ومن هذه السياسات أيضاً تنشيط السوق وتغيير أنماط التعامل فيها على نحو يؤدى إلى زيادة التنافس, ومن ثم يدفع البعض إلى انتهاج كسر الأسعار للحصول على مساحة أوسع فى السوق،وتفيد التجارب التى اتبعت فى تطبيق هذه السياسة أن فتح السوق أمام شركات التجارة العالمية يخلق حالة تنافس تؤدى عادة إلى خفض الأسعار حين تتوافر المقومات الاقتصادية والقانونية اللازمة لهذا التنافس. وعندئذ تتركز مسئولية الحكومة فى توفير هذه المقومات، ومراقبة التفاعلات الجديدة فى السوق وتقييم نتائجها أول بأول، والتدخل لترشيدها، بدلاً من أن تكون طرفاً فى هذه التفاعلات من خلال بيع سلع بأسعار مخفضة.
ولنتابع مثلاً ما يحدث الآن فى سوق الأغذية فى الولايات المتحدة بعد دخول شركات ألمانية اعتمد بعضها سياسة كسر الأسعار لكى تحجز لها مكاناً، الأمر الذى خلق ضغوطاً على الشركات والمتاجر الكبرى التى تستحوذ على أكبر الحصص فى هذه السوق مثل وول ماركت، وكروجر، والبرتسوتس، وغيرها