بقلم د. وحيد عبدالمجيد
يشاهد الناس فى عدد من مناطق القاهرة الآن عملا جاريا فى مواقع مختلفة منها, وعلى مساحات هائلة فى بعضها, لإنشاء مراكز تجارية عملاقة «مولات».
مازال نهم المصريين، سواء مستثمرين أو مستهلكين، إلى «المولات» مستمراً بل ربما يبدو متزايدا رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية وقسوتها. فقد شهدت فترة الركود الاقتصادى الشديد خلال السنوات الأخيرة بناء عدة «مولات» ضخمة يقتصر المعروض فى أحدها على الأقل ( بالقاهرة الجديدة) على سلع أجنبية.
وهذا أمر غريب فى حد ذاته لأن أحد مظاهر الركود الاقتصادى, فى أكثر تعريفاته بساطة, هو تراجع الطلب على السلع والخدمات إما بسبب ضعف القدرة الشرائية أو نتيجة ميل عدد متزايد من المستهلكين إلى انتظار ما ستسفر عنه الأوضاع, أو للسببين معا. ويقترن ذلك بتراجع حركة السوق وتعرض بعض المستثمرين لخسائر متفاوتة.
وفى مقدمة من يخسرون فى مثل هذه الظروف أصحاب المحال ذات الإيجار المرتفع.
وليست هناك إيجارات لمحال أكثر ارتفاعا من تلك التى توجد فى معظم «المولات» التجارية. ولذلك يبدو مدهشا بناء المزيد منها وبالتالى زيادة أعداد المحال المرتفعة إيجارها فى مثل هذه الظروف. وربما يكون من يشَّيدون «مولات» جديدة الآن متفائلين بسرعة انتهاء الركود. وهذا هو ما نرجوه معهم.
ولكن الإقبال على تشييد «مولات» جديدة ضخمة يثير قضية أكثر أهمية بشأن مدى قابلية مصر للتقدم الذى بات يقترن فى أحد جوانبه بانتشار التسوق الالكترونى. فالحاصل الآن فى عدد متزايد من دول العالم أن ظاهرة «المول» تتقلص بدرجات مختلفة يوما بعد يوم. ويقترن بذلك تراجع أحد أنماط الحياة التى ارتبطت بصعود هذه الظاهرة، وهو ارتياد «المولات» للتنزه وقضاء وقت فى مقاهيها ومطاعمها وليس فقط للتسوق.
ولا تستثنى ظاهرة تراجع «المول» الولايات المتحدة التى بدت فيها مرتبطة بتنامى ميل الأمريكيين الأغنياء والميسورين إلى السكن فى الضواحى منذ الثمانينيات وحاجتهم, بالتالى إلى مراكز تجارية كبيرة قريبة منهم.
ومثلما انتقلت ظاهرة «المول» من الولايات المتحدة إلى أوروبا وانتشرت فى العالم كله، بدأ أفولها فى موطنها الأصلى ينتقل إلى غيرها. فهل يدرك مشَّيدو «المولات» الجديدة فى مصر ما يحدث فى العالم؟