بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ربما يكون مفهوماً أن يبالغ البنك المركزى فى الاهتمام بسعر صرف الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى، وأن يعتبره القضية الوحيدة الجديرة بالعناية، بحكم مسئوليته عن السياسة النقدية، رغم أن واجبه يفرض ربط هذه السياسة بالسياسات الاقتصادية والتجارية والمالية. ولكن يصعب فهم انطلاق السياسة النقدية التى يتبعها الاّن من افتراض أن تضييق فجوة النقد الأجنبى يتطلب خوض مباراة فى المصارعة ضد الدولار بغض النظر عن آثارها على الاقتصاد الحقيقي. أما أكثر ما يستعصى على الفهم فهو عدم اهتمام الحكومة حتى الاّن بهذه الآثار. فالمفترض أن تكون هناك قنوات اتصال مفتوحة طول الوقت بين الحكومة والبنك المركزى لتجنب الآثار السلبية لبعض قراراته على السياسة الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار الذى يفقد جدواه عندما لا يحقق العائد الذى يمكن الحصول عليه من إيداع الأموال فى البنوك بأسعار الفائدة الحالية0 ويعنى هذا الانصراف عن إقامة مشاريع تُحرَّك الركود، وتوجد وظائف جديدة، وتُحقَّق إنتاجاً يمكن تصدير بعضه فيسهم فى تصحيح الاختلال فى الميزان التجاري، ويجلب عملات أجنبية تسهم فى حل مشكلة سعر الصرف. كما يفترض أن تعنى الحكومة بالآثار السلبية للرفع المتكرر لأسعار الفائدة على الدين العام. فكل ارتفاع فى هذه الأسعار يؤدى إلى تنامى قيمة الدين العام، وبالتالى زيادة عجز الموازنة، فى الوقت الذى تُتخذ قرارات وإجراءات بالغة القسوة على الفئات الاجتماعية الدنيا والوسطى من أجل تقليل هذا العجز. والسؤال الذى يثير الحيرة فى ظل هذه المعطيات هو: أى منهج فى التفكير هذا الذى يهدف إلى حل مشكلة عن طريق إيجاد عدة مشكلات أو مفاقمتها، وبدون أن يضمن حلاً حقيقياً لتلك المشكلة. فإذا كان رفع أسعار الفائدة يدفع بعض من يملكون دولارات إلى بيعها للاستفادة بالعوائد على الإيداعات بالجنيه, ويؤدى بالتالى إلى انخفاض سعر الدولار فى المدى القصير، يظل من الصعب تقدير معدلات هذا الانخفاض، وقابليته للاستمرار عندما تظهر الآثار السلبية لتراجع معدلات الاستثمار، وبالتالى انخفاض الصادرات مما يؤدى إلى توسع فجوة النقد الأجنبي. وليست هذه إلا بعض الأسباب التى تدفع إلى مراجعة السياسة النقدية التى نفترض أننا فى حلبة مصارعة ضد الدولار، وتقييم آثارها على السياسة الاقتصادية والتجارية والمالية