د. وحيد عبدالمجيد
رغم اختلاف التقديرات بشأن مدى أهمية مبادرة حركة النهضة التونسية وحدود الآثار التى ستترتب عليها، فهى تُعد الأولى من نوعها فى تاريخ حركات الإسلام السياسى وأحزابه. لم يحدث من قبل أن قررت إحدى هذه الحركات الخروج من إطار الإسلام السياسى العابر للحدود. ولذلك فمن الضرورى أن تؤثر هذه المراجعة فى مستقبل الإسلام السياسى فى المنطقة والعالم. غير أن هذا التأثير سيستغرق وقتاً يصعب تقديره. وإذا رجعنا إلى تجربة المراجعة فى الأحزاب الشيوعية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، نجد أن المبادرة التى أطلقها الحزب الشيوعى الإيطالى وعُرفت باسم “اليورو شيوعية” أحدثت اثراً سريعاً فى قليل فقط من الأحزاب الأوروبية الأخرى. أما آثارها الأوسع فقد ظهرت عقب تفكك مركز الشيوعية حينئذ فى الاتحاد السوفيتى السابق، وانهيار نموذجه. والمقارنة هنا جائزة بسبب القواسم المشتركة بين الحركات العقائدية ذات المرجعيات المطلقة من الناحية المنهجية، مهما يكن الاختلاف بينها. وتفيد هذه المقارنة وجود فرق قد يكون مهماً بين الحالتين. فقد أعلن الحزب الشيوعى الإيطالى مراجعته فى الوقت الذى كان الحزب الأم بالنسبة إلى كثير من الأحزاب الشيوعية فى العالم ممسكاً بزمام السلطة فى موسكو وقادراً على التأثير. أما مبادرة حركة النهضة فقد جاءت فى ظل أكبر أزمة فى تاريخ الجماعة الأم بالنسبة إلى حركات الإسلام السياسى، بعد فشلها فى مصر ولم يمض سوى عام واحد على توليها السلطة. كان لدى الحزب الشيوعى الإيطالى وزعيمه أنريكو برلينجوير من البصيرة ما أتاح فهم أن الأزمة تتراكم فى طبقات عميقة تحت السطح فى موسكو، وإدراك علاماتها التى ظهرت فى معظم الأحزاب الشيوعية فى العالم بما فيها ذلك الحزب نفسه.
ورغم أن حركة النهضة كانت متقدمة على معظم حركات الإسلام السياسى، فإنها تأخرت كثيراً فى إدراك مدى عمق أزمة البناء الذى أُقيمت عليه هذه الحركات والشيخوخة التى دبت فيه.
ولكن السؤال المهم هنا هو: هل يعود بطء تأثير مراجعة الحزب الشيوعى الإيطالى إلى أنها بدأت مبكراً فى وقت كان مركز الشيوعية قادرا على مقاومتها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن توقع تأثير أسرع لمراجعة حركة النهضة بعد أن أصبح مركز الإسلام السياسى عاجزاً عن مقاومة عوامل الضعف والتفكك التى فعلت فعلها فيه؟