بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يبدو البيان الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن المؤسسات التدريبية فى مصر صادماً لمن يعرفون ضعف مستوى الأداء فى القطاع الحكومى، لأنه يفاجئهم بوجود 485 مؤسسة تدريبية فى هذا القطاع. الرقم جد لا مبالغة فيه. 485 مؤسسة تدريبية (مدارس ومعاهد ومراكز) فى قطاع حكومى أصبح تهافت أدائه مضرب الأمثال. كما أن هذا العدد الكبير من المؤسسة التدريبية موزع على عدد كبير من المحافظات، وليس مُركّزاً فى القاهرة. ويعنى ذلك تسهيل الالتحاق بهذه المؤسسات دون تكبد مشقة السفر إلى القاهرة.
ولا تفسير لهذه المفارقة الهائلة إلا أن التدريب فى مراكز القطاع الحكومى ومعاهده لا يُدرَّب، أى لا يحقق الغرض الوحيد منه وهو تطوير المهارات البشرية والارتقاء بها واكتساب خبرات جديدة ومعارف إضافية فى هذا التخصص أو ذاك.
صحيح أن الدارسين فى هذه المؤسسات التدريبية ليسوا كلهم، ولا حتى معظمهم، من العاملين فى القطاع الحكومى0 ولكن نسبة لا بأس بها منهم يدرسون فى هذه المؤسسات، حيث يُفترض أنهم يتلقون تدريباً لكى يجتازوا اختبارات الترقى فى بعض الهيئات الحكومية، أو المهارات اللازمة للانتقال من عمل إلى آخر أفضل منه فى بعضها الآخر.
وأياً كان عدد هؤلاء، ليس هناك ما يدل على وجود أثر لتدريب يحدث. ويعنى هذا أن أداء المؤسسات التدريبية لا يختلف عن الأداء العام فى القطاع الحكومى، سواء من حيث المستوى، أو من زاوية الجدية فى تنفيذ المهام، الأمر الذى يجعل التدريب شكلياً وروتينياً يذهب إليه العاملون لمجرد إكمال أوراق ترقيهم وانتقالهم إلى وظائف معينة. وفى كثير من الأحيان ينشغل المتدربون بالبحث عن وسطاء يتوسطون لهم فى حالة التنافس على وظائف معينة، مدركين أن العلاقات أهم من المهارات والخبرات.
وفى هذا النوع من التدريب يعود من تلقاه على حالته التى ذهب بها إليه، دون أن ينال معرفة جديدة، أو يحصل على خبرة يحتاج إليها، أو يكتسب مهارات لازمة لعمله.
ولم يُغيِّر قانون الخدمة المدنية شيئا من هذا الواقع المؤلم، لأن من نبَّهوا إلى ذلك خلال مناقشة مشروعه، وطالبوا بقواعد صارمة للتوظيف والترقى، كانوا كمن يصرخون فى البرية.